السيسي رجل المبادئ
مكايدة وابتزازاً لدول الخليج، عيّن عبد الفتاح السيسي سفيراً له في صنعاء، كان أول ما فعله أن التقى في 9 فبراير/شباط الجاري رئيس ما تسمى "دائرة العلاقات الخارجية" في المجلس السياسي لجماعة الحوثي، حسين العزي، وعضوي المكتب السياسي، محمد القبلي وعبد الملك العجري، في مقر السفارة المصرية بصنعاء.
السفير، في الأيام القليلة التي أمضاها بين يدي الحوثيين، أكد أن الوقت قد حان لشراكة استراتيجية بين مصر واليمن.
وتزلفاً واعتذاراً وخطباً للود المفقود مع الخليج، على وقع فضيحة التسريبات، ومع إعادة الرئيس اليمني المخطوف إلى الحياة السياسية، تعلن القاهرة، في الشهر ذاته، سحب سفيرها من صنعاء، نظراً للظروف والتطورات الأمنية والسياسية التي يمر بها اليمن.
الظروف هي الظروف، والحوثي هو الحوثي، والسيسي هو السيسي، فماذا حدث كي تتوقف رقصة التانجو بين انقلابين متناغمين؟ ما الذي حدث لكي تتراجع القاهرة، وتضحي بفرصة اللحظة التاريخية، لإنجاز الشراكة الاستراتيجية مع اليمن، الواقع تحت سيطرة الحوثيين؟
في خطابه الذي أثار موجات من السخرية، خلال الساعات الماضية، شدد السيسي على أن لديه سياسة خارجية واضحة، تسير وفق استراتيجية ثابتة، فأين الوضوح وأين المبدئية في القفزة المفاجئة بملعب الحوثيين، ثم التراجع عنها في أقل من أسبوعين؟
واقع الحال أن السياسة الخارجية في عصر السيسي مؤسسة على منطق الصفقة، لا فقه المبدأ، لذا، فهي تتسم، طوال الوقت، بالعشوائية والارتباك والتناقض، في ما يختص بالعلاقات الدولية والإقليمية، فمن تطبيل وتهليل للخليج السخي الذي يمطر حبات (مليارات) من دولارات العطايا والمنح، إلى شوفينية، تنطلق من نعرة وطنية زائفة، تتحرش بالخليج وتبتزه وتتوعده بالبطش.
دائماً للسياسة الخارجية في زمن الانقلاب وجهان، وجه في العلن والآخر في خفاء التسريبات الفاضحة، وحين يتم ضبطها متلبسةً بهذه الازدواجية، يكون التراجع مخزياً، ومثيراً للرثاء، وصادماً لكل الأعراف والثوابت الدبلوماسية، فحين يتحدث مندوب السيسي في جامعة الدول العربية متهماً قطر بالإرهاب، ويأتي الرد الخليجي رافضاً الاتهامات ومتضامناً مع قطر، تجد الإدارة المصرية نفسها مضطرة لتسريب أخبار لصحف الانقلاب بأن رأي المندوب لا يمثل موقف الدولة المصرية، وأن الأخيرة ليست راضية عما أتى به.
وبهذا المعيار، من غير المستبعد لو سئلت الخارجية المصرية عما ورد على لسان سفيرها في صنعاء، أن تقول إنه يعبر عن رأيه الشخصي، ولا يمثل الدولة.
في الداخل، كما في الخارج، تمضي دولة السيسي على درب التناقض والازدواجية والمخادعة، تتحدث عن العدالة والحريات في الخطب المتلفزة، وتمارس الانتقام والقهر والقمع في الإجراءات والتصرفات، فيخرج السيسي معطياً إشارةً بإطلاق سراح المظلومين خلف القضبان. وبعد لحظات، يطلق قضاؤه الرصاص على متهمين، كل جريمتهم أنهم مارسوا حقهم في التظاهر (التظاهر الذي اتخذه السيسي سلّماً للانقلاب على رئيسه المنتخب، والاستيلاء على السلطة).
تمتلك دولة السيسي ترسانة هائلة من أسلحة الإعلام الجرثومية، تعمل خارج نطاق القوانين والقيم، تمارس الشتم بأقذع العبارات وأحطها، وتزاول عمليات التخوين وتجريد الرافضين لهذا الجنون من مصريتهم، تنشب مخالبها في لحم الجميع، وهي واثقة تماماً أن أحداً لا يحاسب، بل يكافئ ويدلل هذه الأذرع التي تعب في زراعتها الجنرال، ثم يخرج الأخير في ثياب الواعظين، ليقول إنه لم يسب أحداً، ولم يستخدم لفظاً مسيئاً!
وعلى هذا المحصول الوافر من البذاءة، تحيا دولة الجنرال، وتدير علاقاتها الخارجية، لا يسلم من أذرعها الجرثومية أحد، فقد منحوها رخصة استباحة مخالفيها في دمهم وعرضهم وممتلكاتهم وحقهم في المواطنة.
لقد سئل عبد الفتاح السيسي عن البؤس الذي تعيشه مصر في مجال حقوق الإنسان، فقال لقناة فرنسية، إنه مع حقوق الإنسان ولكن ليس الآن، وأظن أن هذه دعوة مفتوحة لسافكي الدماء وناهشي الأعراض، لكي ينطلقوا وينعموا بالحماية، وهم يفترسون كل من يخالف مشيئة الجنرال.