11 نوفمبر 2024
السيسي والمقاول وأهل الكهف
كل ردود الأفعال القادمة من معسكر عبد الفتاح السيسي حتى الآن تدعم رواية المقاول الفنان، محمد علي، وتثبت صحة شهادته المزلزلة. من أول الشرير الذي أعطى مصطفى بكري مقاولة الرد على الرواية القادمة من إسبانيا، إلى الماكر الذي وضع أحمد موسى على رأس كتيبة الدفاع، مرورًا برئيس الحكومة، جميعهم يقدّمون أداءً يبصم على صحة ما كشفه محمد علي.
مثلًا، يكفي أن توظف مصطفى بكري مدافعًا عن طرفٍ في قضية، حتى ينحاز الجمهور تلقائيا لطرفها الآخر، من دون أن يسألوا عن موضوع القضية أو ملابساتها، والأمر ذاته ينطبق على حالة أحمد موسى، إذ يكفي أن يكون متحدثًا عن قضية ليخسرها صاحبها، حتى لو كان الحق معه. وما فعله على شاشة التلفزيون باستضافة شخص مشوش الفكر، زائغ الكلمة، مع تقديمه بوصفة قيادة إخوانية تائبة وعائدة إلى حضن الوطن، يبعث على الضحك والسخرية، ويستحق في ظني وسمًا تحت عنوان "إعلام السيسي يدعم الإخوان". أما رئيس حكومة السيسي، فلم يفعل أكثر من ترجمة ملاحظات محمد علي إلى قرارات، ويحوّل انتقاداته إلى توصيات.
الشاهد أن النظام كله في حالة صدمةٍ عنيفة، تجعل ردّات فعله غارقة في الرعونة، التي تؤدي إلى الهلوسة التي تتجلى في المحاولة البائسة واليائسة لتصوير الأمر حربا على الجيش المصري، بينما الحقيقة أن الموضوع يخص عبد الفتاح السيسي شخصيًا، وزوجته ومجموعة القيادات العسكرية المهيمنة على الاقتصاد، على نحو يجرح العسكرية الحقيقية ويهينها.
تمتد حالة الوجوم والصدمة والارتباك من الطابق العلوي في بناية السلطة إلى الحديقة الخلفية لها، حيث يلهو ويلعب من يفترض أنهم قوى المجتمع الحية من أحزاب وكتاب ورجال قانون وبرلمان وشخصيات عامة من حملة لقب "مناضل" فلا تسمع صوتًا.
هل سمعت عن نائبٍ تقدم بطلب إحاطة أو استجواب أو طلب فتح تحقيق في البرلمان أمام هذا السيل المتدفق من شهادات المصارع محمد علي وحكاياته؟. هل قرأت بيانًا لحزب من اليمين أو اليسار، أو مقالًا، مثلًا يعني، لكاتبة مثل الأستاذة سكينة فؤاد، التي كانت يومًا محاربة بالقلم ضد الفساد، ثم تحولت إلى مستشارة في بلاط السلطان؟.
كل ما رأيناه من ردود الأفعال، حتى الآن، صياح هيستيري في دوائر السياسة والإعلام، وخطاب فاشي يدعو صراحة إلى تشكيل فرق اغتيال تتحرّك فورًا لاصطياد المعارضين في الخارج، كما فعل طبيب معروف يطل أسبوعيًا على واحدة من شاشات التلفزة السيسية.. رأينا أيضًا دار الإفتاء "تؤلف" فتوى على وجه السرعة، وبشكل يفوق سرعة كاتبي أغنيات المطرب شعبان عبد الرحيم في الأحداث الطارئة.
في الإجمال، يمكن القول إن النظام يمر بصدمة عنيفة مع سيل المعلومات التي يكشفها رجل الأعمال، لكن الصدمة الأكبر والأعنف بالنسبة للنظام هي استقبال الغالبية من جماهير الشعب المصري وثائق محمد علي بمنتهى الحماس والتشجيع، بعد أن توهم النظام أنه استطاع حبس الجماهير في كهف أوهامه وأحلامه، وبات مطمئنًا إلى أنه لم يبق نبض في العروق. ذلك أن مشروع السيسي، منذ يومه الأول، كان قائمًا على جعل مصر كلها، وكما دوّنت قبل أربع سنوات، محبوسةً داخل كهف يشبه كهف أفلاطون، ظهرها للنور ووجها للظلام، ومن الخلف يتلاعب السجان بالأشكال والظلال، فيصير ما يراه الناس، المكبّلون بالقيود، منعكساً على الحائط الوحيد أمامهم، من ظلال باهتة للأشياء، هو الحقائق، بالنسبة لهم، وهم على هذه الوضعية الفقيرة من الإدراك.. حتى إذا أخرجوا من ظلام الكهف إلى نور الواقع رفضوا أن يصدقوا أن ما وقعت عليه أعينهم هو الحقيقة، واعتبروه خيالات وصوراً مزيفة للأشياء الحقيقية.
كان السيسي واثقًا من نجاحه في تغيير كيمياء الجماهير إلى الحد الذي صارت معه تنكر الأصل، وتؤمن بالنسخة الباهتة المزيفة، الرخيصة، فيصبح السيسي، مثلاً، الزعيم الوطني، أو مثال الزعيم، فيتعاطى الناس ليبراليةً رخيصة، وعروبة مزيفة، ونماذج مقلدة، من الشخصيات التاريخية، فيكون يسار يرقص فرحاً لانتصار اليمين الأميركي المتطرّف، ويكون ناصريون يهتفون بالروح بالدم، فداء للزعيم الذي يرفل في دفء الكيان الصهيوني، ويحاولون تسويقه للجماهير على أنه النسخة الأصلية من جمال عبد الناصر.
ما فعلته تسجيلات المقاول الممثل أنها فتحت الكهف على الناس، فأفاقوا على شلال من الكوارث والفضائح الموثقة، وهنا يكمن رعب أهل السلطة التي أفاقت من وهمها على شعب يغني "شيد قصورك".
السؤال الآن: ماذا بعد لحظة محمد علي، وكيف يمكن الحفاظ عليها من الابتذال، ثم البناء عليها لإيجاد خطاب مختلف ينتقل بحالة الغضب من السوشيال ميديا إلى أرض الواقع؟
مثلًا، يكفي أن توظف مصطفى بكري مدافعًا عن طرفٍ في قضية، حتى ينحاز الجمهور تلقائيا لطرفها الآخر، من دون أن يسألوا عن موضوع القضية أو ملابساتها، والأمر ذاته ينطبق على حالة أحمد موسى، إذ يكفي أن يكون متحدثًا عن قضية ليخسرها صاحبها، حتى لو كان الحق معه. وما فعله على شاشة التلفزيون باستضافة شخص مشوش الفكر، زائغ الكلمة، مع تقديمه بوصفة قيادة إخوانية تائبة وعائدة إلى حضن الوطن، يبعث على الضحك والسخرية، ويستحق في ظني وسمًا تحت عنوان "إعلام السيسي يدعم الإخوان". أما رئيس حكومة السيسي، فلم يفعل أكثر من ترجمة ملاحظات محمد علي إلى قرارات، ويحوّل انتقاداته إلى توصيات.
الشاهد أن النظام كله في حالة صدمةٍ عنيفة، تجعل ردّات فعله غارقة في الرعونة، التي تؤدي إلى الهلوسة التي تتجلى في المحاولة البائسة واليائسة لتصوير الأمر حربا على الجيش المصري، بينما الحقيقة أن الموضوع يخص عبد الفتاح السيسي شخصيًا، وزوجته ومجموعة القيادات العسكرية المهيمنة على الاقتصاد، على نحو يجرح العسكرية الحقيقية ويهينها.
تمتد حالة الوجوم والصدمة والارتباك من الطابق العلوي في بناية السلطة إلى الحديقة الخلفية لها، حيث يلهو ويلعب من يفترض أنهم قوى المجتمع الحية من أحزاب وكتاب ورجال قانون وبرلمان وشخصيات عامة من حملة لقب "مناضل" فلا تسمع صوتًا.
هل سمعت عن نائبٍ تقدم بطلب إحاطة أو استجواب أو طلب فتح تحقيق في البرلمان أمام هذا السيل المتدفق من شهادات المصارع محمد علي وحكاياته؟. هل قرأت بيانًا لحزب من اليمين أو اليسار، أو مقالًا، مثلًا يعني، لكاتبة مثل الأستاذة سكينة فؤاد، التي كانت يومًا محاربة بالقلم ضد الفساد، ثم تحولت إلى مستشارة في بلاط السلطان؟.
كل ما رأيناه من ردود الأفعال، حتى الآن، صياح هيستيري في دوائر السياسة والإعلام، وخطاب فاشي يدعو صراحة إلى تشكيل فرق اغتيال تتحرّك فورًا لاصطياد المعارضين في الخارج، كما فعل طبيب معروف يطل أسبوعيًا على واحدة من شاشات التلفزة السيسية.. رأينا أيضًا دار الإفتاء "تؤلف" فتوى على وجه السرعة، وبشكل يفوق سرعة كاتبي أغنيات المطرب شعبان عبد الرحيم في الأحداث الطارئة.
في الإجمال، يمكن القول إن النظام يمر بصدمة عنيفة مع سيل المعلومات التي يكشفها رجل الأعمال، لكن الصدمة الأكبر والأعنف بالنسبة للنظام هي استقبال الغالبية من جماهير الشعب المصري وثائق محمد علي بمنتهى الحماس والتشجيع، بعد أن توهم النظام أنه استطاع حبس الجماهير في كهف أوهامه وأحلامه، وبات مطمئنًا إلى أنه لم يبق نبض في العروق. ذلك أن مشروع السيسي، منذ يومه الأول، كان قائمًا على جعل مصر كلها، وكما دوّنت قبل أربع سنوات، محبوسةً داخل كهف يشبه كهف أفلاطون، ظهرها للنور ووجها للظلام، ومن الخلف يتلاعب السجان بالأشكال والظلال، فيصير ما يراه الناس، المكبّلون بالقيود، منعكساً على الحائط الوحيد أمامهم، من ظلال باهتة للأشياء، هو الحقائق، بالنسبة لهم، وهم على هذه الوضعية الفقيرة من الإدراك.. حتى إذا أخرجوا من ظلام الكهف إلى نور الواقع رفضوا أن يصدقوا أن ما وقعت عليه أعينهم هو الحقيقة، واعتبروه خيالات وصوراً مزيفة للأشياء الحقيقية.
كان السيسي واثقًا من نجاحه في تغيير كيمياء الجماهير إلى الحد الذي صارت معه تنكر الأصل، وتؤمن بالنسخة الباهتة المزيفة، الرخيصة، فيصبح السيسي، مثلاً، الزعيم الوطني، أو مثال الزعيم، فيتعاطى الناس ليبراليةً رخيصة، وعروبة مزيفة، ونماذج مقلدة، من الشخصيات التاريخية، فيكون يسار يرقص فرحاً لانتصار اليمين الأميركي المتطرّف، ويكون ناصريون يهتفون بالروح بالدم، فداء للزعيم الذي يرفل في دفء الكيان الصهيوني، ويحاولون تسويقه للجماهير على أنه النسخة الأصلية من جمال عبد الناصر.
ما فعلته تسجيلات المقاول الممثل أنها فتحت الكهف على الناس، فأفاقوا على شلال من الكوارث والفضائح الموثقة، وهنا يكمن رعب أهل السلطة التي أفاقت من وهمها على شعب يغني "شيد قصورك".
السؤال الآن: ماذا بعد لحظة محمد علي، وكيف يمكن الحفاظ عليها من الابتذال، ثم البناء عليها لإيجاد خطاب مختلف ينتقل بحالة الغضب من السوشيال ميديا إلى أرض الواقع؟