04 نوفمبر 2024
القضاء نزيه
برأت المحكمة أعضاء في حزب التحالف الشعبي الاشتراكي في مصر من تهمة خرق قانون التظاهر، فهتف رئيس الحزب المعارض القديم، عبد الغفار شكر، بحياة قضاء مصر النزيه.
في اللحظة نفسها، كان اشتراكي آخر، حقيقي، هو خالد علي، يقف أمام المحكمة مدافعاً عن مجموعة من السياسيين، بعضهم معارض، وبعضهم الآخر "عين في الثورة وعين في السيسي"، يتحدث عن اغتيال الشرعية القانونية بواسطة إجراءات القضاء.
يعرف القاصي والداني، أن أسراب العدالة هاجرت من مصر عقب لحظة الانتكاس الثوري في ذلك الصيف الحزين من عام 2013، ويدرك البعيد قبل القريب أنه من السذاجة أن يردد بعض الناس أن مصر دولة تعرف القوانين، حتى من باب المجاملة والنفاق، ذلك أن أشد المتواطئين مع النظام الحالي لا يمتلكون شجاعة، أو وقاحة، الكلام عن عدالة متحققة وقضاء يتمتع بالحد الأدنى من المهنية.
غير أن بعضهم، من نوعية السيد عبد الغفار شكر، مثل جحا في الأسطورة الشعبية الشهيرة "قالوا لجحا إن الحرائق تلتهم الشارع الذي تسكن به، فقال ما دامت النار لم تمسك ببيتي فلا حريق إذن".
يعرف عبد الغفار شكر، قبل غيره، أن دماء شيماء الصباغ، شهيدة تياره التي اغتالتها الشرطة، ستذهب هدراً، ويعلم يقينا أن في ظلمات السجون عشرات آلاف الأبرياء، منهم من ينتمي إلى اليسار والليبراليين، ثم يجد الجرأة ليقول بدم بارد، وقلب شبع موتاً، إن الحكم ببراءة 17 عضواً في حزبه من تهمة خرق قانون التظاهر" يؤكد نزاهة القضاء المصري، وإن لديه استقلالية كاملة"
يعلم السيد "عبد الغفار شكر الحاكم" أن الذين لم يسعفهم الحظ، فلم يكونوا أعضاء في حزب داجن وأليف، مثل حزبه، حين يقعون بين فكي العدالة، لا يخرجون إلا بعد أن يشتعل رأسهم شيباً، أو للتشييع إلى دار البقاء، وبحكم منصبه الفخيم فيما يسمى "المجلس القومي لحقوق الإنسان"، لا شك أنه يعلم أن أطفالاً في عمر الزهور، يتم انتزاعهم من بيوتهم ومدارسهم، ويلقى بهم في الحبس الاحتياطي، شهوراً وأعواماً، وحين يخلى سبيلهم، ويعودون إلى أهاليهم، يفاجأون بأحكام بالسجن المؤبد بحقهم، من دون سابق إخطار أو إعلان بقضايا ومحاكمات.
يعلم ذلك كله وأكثر، لكن إخلاصه لنظرية عشق اليسار، إلا من شفى ربك، للنهايات المخجلة، يجعله يتحدث وكأنه "أقدم بكري في التاريخ"، طلباً للستر وإيثاراً للسلامة.
القضاء نزيه ومستقل فعلاً، والدلائل كثيرة: يكفي منها أن يكون أحمد الزند وزيراً للعدل، وأن يسمحوا لمحمد البلتاجي بالتعبير عن امتنانه للنظام الذي يؤنس وحدته، ويهون عليه وحشة الزنزانة، بزيارات دورية للكلاب البوليسية، رفقة رئيس السجن، وأن يقبلوا ببقاء عصام سلطان على قيد الحياة، بتسهيل حصوله على شربة ماء من مياه الصرف الصحي، وأن يحولوا بين علاء عبد الفتاح ومحمد عادل، وكثيرين غيرهما، وبين مصير فريد إسماعيل وطارق الغندور، وعشرات ممن يقتلون بجرعات عدالة زائدة في السجون والمعتقلات.
هو فعلاً نزيه، وعدالته ناجزة، بدليل أنه اعتبر مقتل شيماء الصباغ قضية تستحق الاهتمام، فيما أهيل التراب على واقعة قتل سندس رضا، برصاص الشرطة، ولم يفتح لها ملف، يضم بلاغاً واحداً أو محضراً يتيماً.. هو نزيه حقاً، لأن فتيات يُغتصبن، ثم يذهبن للوقوف بين يديه، يطلبن الحكم بإعدامهن، كحل أفضل من امتهان شرفهن في أقبية التعذيب، فيقول لهن "مش عاوز أفلام عربي".
هو نزيه وشريف وعفيف، لأنه يحكم بإعدام فقيه الأمة وعالمها، الدكتور يوسف القرضاوي، وهو في التسعين من عمره، بتهمة اقتحام سجن في الصحراء المصرية، بينما هو في بيته في الدوحة، ويقضي بإعدام مجاهدين في كتائب القسام، نالوا الشهادة، أو سجنوا في معتقلات الكيان الصهيوني، قبل سنوات من ورود أسمائهم في القضية.
عزيزي عبد الغفار شكر: القضاء نزيه، والسيسي جميل، وحكم العسكر حلو، لأن الجبن سيد الأخلاق!