اللامنطق الفلسطيني من شرم الشيخ إلى العلمين
في منتجع العلمين بالساحل الشمالي المصري، حيث حفلات الصيف الصاخبة في المنطقة التي لا يستطيع الوصول إليها سوى أثرياء الجمهورية الجديدة، يجتمع قادة الفصائل الفلسطينية للبحث في إعادة تأسيس المشروع الوطني الفلسطيني.
يُنبئنا التاريخ بأنه كلما ابتعدت القضية الفلسطينية عن القاهرة، أصيب مضمونها وجوهرها بالخلل، فهكذا كانت شرم الشيخ وليست القاهرة في زمن حسني مبارك، مسرحًا لتمرير وتكريس كل الاتفاقات والتفاهمات التي جرّدت الموضوع الفلسطيني من معناه الحقيقي. وفي المقابل، خرج الاحتلال الصهيوني بمكاسب لا تُحصى.
يحضر اللامنطق بمشروع التحرّر الوطني الفلسطيني في منتجع العلمين كما حضر في شرم الشيخ، إذ تجتمع فصائل المقاومة الفلسطينية برئاسة رئيس السلطة الفلسطينية الذي يرى في مقاومة العدو كلامًا فارغًا، ولا يترك مناسبة إلا ويثبت فيها للشارع الفلسطيني أنه صار عبئًا على القضية.
مفارقة مدهشة إذ تجتمع فصائل المقاومة في ظل غياب حركة الجهاد الإسلامي، الفصيل الذي خاض ببسالة أحدث جولات التصدي لعدوان الاحتلال، وفي ظل معادلة تقول إن كل الفصائل تشدد على ضرورة تحرير المشروع الفلسطيني من قيود اتفاقات أوسلو التي منحت الاحتلال كل شيء، ولم تعط فلسطين سوى رئيس سلطةٍ تحميها إسرائيل بالمال والسلاح وتعتبر رحيلها ضربة موجعة لمشاريع التوسع بالاستيطان في كل الأراضي الفلسطينية، وكذا التهويد الكامل للقدس.
يقول رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في كلمته في حوار العلمين أمس، إنه "في إطار مواجهة مخططات الاحتلال وسياسة حكومته الفاشية، وسعياً إلى تحقيق وحدة شعبنا، نرى ضرورة تبني خطة ترتكز على انتهاء مرحلة أوسلو، فشعبنا اليوم أمام مرحلة سياسية وميدانية جديدة"، مضيفاً أن "التناقض الرئيس هو مع الاحتلال الإسرائيلي، والمرحلة الراهنة هي مرحلة تحرير وطني".
ما طرحه هنية تتبناه كل الفصائل الأخرى، باستثناء فتح التي يرأسها عباس، الذي يستمد وجوده في سلطته من الالتزام الكامل بنصوص أوسلو، ويعلن طوال الوقت عداءَه لكل صور التصدي للاحتلال المسلح بالمقاومة المسلحة، بل لا يتورع عن الطعن في وطنيتها وجدارتها بالتعبير عن تطلعات الشارع الفلسطيني.
محمود عبّاس هو أوسلو، ليس في هذا القول كثير من المجاز والمبالغة، إذ تم التخلص من سابقه ياسر عرفات، بالاغتيال داخل مقر الحكم الذي اختارته له تل أبيب وواشنطن حين أبدى تململًا من البقاء في فخ أوسلو، ليتم وضع محمود عبّاس مكانه في عملية أميركية إسرائيلية مشتركة، وهذا ما يدركه كل فلسطيني، وعلى ذلك فالتحرر من أوسلو يتطلب بالضرورة التحرر من منطق عباس ومنطوقه المجسدين لعقيدة أوسلو، التي ثبت للجميع أنها كانت وبالًا على المشروع الفلسطيني، وتكفي نظرة على جغرافية ما بعد "أوسلو" للتثّبت من ذلك.
أما لو كان المنطق حاضرًا حقًا في حوارات العلمين لأدرك محمود عباس أنه بصدد فرصة قد تكون أخيرة للالتحاق بمشروع وطني فلسطيني، كما تريده الجماهير الفلسطينية، لا كما تحرص عليه إسرائيل، مشروع لا يحتقر البندقية حين يقتل الأطفال والعجائز بصواريخ الاحتلال وجرافاته.
لو كان ثمة عقل لاستوعب عباس درس التاريخ، وعاد بالذاكرة إلى لحظة اغتيال عرفات، وتأمل كيف كان ياسر عرفات قبل "أوسلو" شيئًا وبعدها شيئًا آخر، فقبلها "أبو عمار" يجسّد رمزية المقاومة وأحلام التحرّر في العالم كله، أو بعبارة واحدة "أيقونة الكفاح". أما بعد "أوسلو"، والتخبط في دروب "سلام الشجعان" الزائف والتخلّي عن حق المقاومة المسلحة، فقد صار الزعيم الأيقونة ضيفًا دائمًا على مساحات الكاريكاتير السياسي الزاعق، وزوايا الكتّاب الساخرين الساخطين في الصحف العربية.
قلت سابقًا إنه لا يليق بفلسطين أن يكون هناك رئيس سلطة، تحول من رفيق نضال وكفاح لسلفه ياسر عرفات، إلى ناطور يحرس مزرعة التنسيق الأمني لخدمة الكيان الصهيوني، فينتهي به المطاف مسخرة سياسية تاريخية.