المحادثات النووية واحتمال الانفجار

14 نوفمبر 2021
+ الخط -

 

توقفت المحادثات النووية المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، بعدما أُعلِن إبراهيم رئيسي، رئيساً جديداً لإيران، وتم تسويقه متشدّداً، ومن الصعب أن يقدم تنازلات لأميركا في سبيل الحصول على اتفاق نووي جديد يؤدي إلى إزالة العقوبات... يدرك العالم أنّ رهان إيران بعيد المدى هو الحصول على قنبلتها النووية، وقبولها في المجتمع الدولي دولة مهيمنة، لديها سلاح تدميري يمكِّنها من ممارسة هذه الهيمنة، وهو ما تحاول الولايات المتحدة منعه، وقد لا تستطيع التعايش معه على الإطلاق. لذلك، نجدها تستخدم وسائل "سلمية" لمنع هذا البرنامج من التطوّر، قبل الوصول إلى لحظة امتلاك إيران هذا السلاح، وقد جرّب باراك أوباما ما يجيده، المفاوضات، فتوصل إلى اتفاق يؤخِّر وصول إيران إلى العتبة النووية، لكنّه لا يمنعها من ذلك... أخضعت إيران كلّ منشآتها للمراقبة الصارمة، وخفَّضت مخزونها من العناصر التي تؤدّي إلى امتلاك القنبلة، لكنّها أحدثت بلبلة سياسية وعسكرية، حين ضاعفت جهدها في تطوير منظومات الصواريخ البالستية، وبعضها قادر على حمل رؤوسٍ نووية! وهو برنامج آخر لا يقل خطورة عن برنامج السلاح النووي.
أميركا، بحزبيها وعبر رئيسين متتاليين، ترغب في الخروج من منطقة الشرق الأوسط، فقد سبق أن أعلن دونالد ترامب خططه للخروج من العراق وأفغانستان، وأشار مرات إلى رغبته في سحب القوات الأميركية من سورية، ثم جاء جو بايدن لينفذ ما كان سلفه قد عزم عليه، فخرجت أميركا من أفغانستان، وقد يكون العراق المحطة التالية، لتفرغ المنطقة من الوجود العسكري الأميركي المكثف. لكن لن يكون الانسحاب الأميركي كاملاً قبل أن تصفّي الولايات المتحدة المشكلات العالقة خلفها، حتى لا يتعكّر صفاؤها لفترة مقبلة. ومن أهم قضايا المنطقة بالنسبة إليها، التي تحول دون خروجها الكامل، الحلم الإيراني النووي. ويمكن أن يكون الخروج مربوطاً بالوصول إلى اتفاق جديد، يبدو الآن أكثر بعداً من أي وقتٍ مضى، فالتلميح الإيراني بدفع رئيس متشدّد إلى الواجهة يوحي بالنيات الإيرانية المتصلبة، وأميركا بدورها لن تُظهِرَ تهاوناً يوقعها بالخطأ نفسه الذي وقع فيه أوباما، حين نسي بند الصواريخ البالستية. ومؤكّد أنّ هذا البند سيكون على الطاولة في أيّ مفاوضات مقبلة، وسيقابله رفض متشدد من إيران التي لن تتخلّى عن إحدى أوراق قوتها بسهولة.
جولة أخرى من المفاوضات يمكن أن تعقد مع نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، وقد تم الإعلان عنها، وستجري في ظلّ التشدّد الإيراني والمخطط الأميركي الذي يريد إحكام السيطرة على قدرات إيران البالستية والنووية، ما يعني أنّ المفاوضات قد تستمر أياماً أو أسابيع، وقد يُعلَن تأجيلها أو فشلها. وسيمرّ مزيدٌ من الوقت من دون التوصل إلى اتفاق، وهذا ما تحتاجه إيران ليتقدّم برنامجها خطوة، أو أكثر، إلى الأمام. وقد يأتي الردّ باللجوء إلى أعمالٍ عسكريةٍ في حالة اضطرارية لوقف التقدّم المتوقع، وهذا ما حاولت عدة إدارات أميركية تجنّبه، وقد تجلّى ذلك بانزواءِ متبني هذا الطرح، جون بولتون، المسؤول السابق، الذي أزيح عن الواجهة أكثر من مرة، كناية عن عدم الرغبة في تطبيق هذا الحل. لكن، يمكن أن يصبح هذا الطرح واقعياً إذا تبرّعت إسرائيل بالقيام به، وهي تبدو دائماً متحفزة انتظاراً لقرارٍ من هذا النوع، وحركة عسكرية منها، ضد إيران، يمكن أن تمتصّها المنطقة بعد سلسلة اتفاقيات التسوية والتطبيع مع إسرائيل. ووجود روسيا الواسع في المنطقة يزيد من احتمال امتصاص الإقليم هذه الضربة، إن حصلت. الأمر كلّه مرهونٌ بالمفاوضات التي بدأت قبل سنوات عدة، وأنتجت اتفاقاً تبيّن أنه لم يكن كافياً، ويبدو أن القضية تحتاج وقتاً، لكن يمكن أن يحدُث الانفجار في النهاية، وإنْ حدث، فسيسجل بداية تاريخٍ جديد.