المساعدات إلى سورية عبر الحدود .. هل من بدائل لا تمر عبر مجلس الأمن؟
لم تكن روسيا يوما مرتاحة لصدور قرار مجلس الأمن 2165 لعام 2014، المعني بإنشاء آلية لإدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سورية، ولم توفر فرصةً لاستخدام منع تجديد القرار بوصفه وسيلة للضغط. وهي وإنْ لم تعترض على صدور القرار، حيث تم اعتماده بالإجماع، إلا أن المفاوضات بشأنه استمرت أكثر من ستة أسابيع. وعلى الرغم من إيجاد آلية مراقبة صارمة تحت إشراف الأمين العام للأمم المتحدة تهدف إلى التأكّد من الطبيعة الإنسانية لما سيتم ادخاله عبر الحدود، وأن يتم إيصال المساعدات إلى جميع المتضرّرين من الشعب السوري من دون تمييز، إلا أن الموقف الروسي والصيني تجاه الآلية لم يكن إيجابيا. من دون أن نَغفل عن حقيقة أن صدور القرار الأممي حينها كان في اللحظة التي فقد فيها النظام سيطرته على أكثر من 70% من الأراضي السورية، كما أن قرار التدخل العسكري الروسي لم يكن قد اتخذ بعد. إضافة إلى ذلك، ضبط القرار، من خلال مادتيه الثانية والثالثة، آلية إدخال المساعدات عبر الحدود ضمن أربع معابر، وهو، بطريقةٍ أو بأخرى، أحكم سيطرة مجلس الأمن على إدخال المساعدات عبر الحدود، بعد أن كان المجلس نفسه سابقا قد ألزم جميع الأطراف بتسهيل المساعدات عبر خطوط التماسّ وعبر الحدود من خلال القرار 2139 الذي لم يحدّد مدة زمنية أو معابر معينة.
منذ التدخل العسكري الروسي إلى جانب نظام الأسد، وتمكّن هذا الأخير من استعادة السيطرة على غالبية الأراضي التي خسرها، بدأت روسيا تعمل على تثبيت سيطرة النظام سياسيا، لا عسكريا فقط؛ ودأبت على عرقلة تجديد آلية إدخال المساعدات الإنسانية، كلما حان موعد تجديدها؛ هادفة إلى تعزيز سيطرة النظام السوري على كل المساعدات الإنسانية التي تدخل سورية، حيث، ومنذ أقرّ مجلس الأمن في عام 2014 هذه الآلية، العمليات الإنسانية تجري إلى كل منطقة حسب السيطرة على حده، مع وجود آلية تنسيق موحّدة.
نجح في العام الماضي (2020) تهديد روسيا باستخدام الفيتو في تقليص الوصول الإنساني "عبر الحدود"، وانتقلت هذه الآلية من استخدام أربعة معابر في بدايتها مع الأردن والعراق وتركيا إلى استخدام معبر واحد، مع ضغط حالي لإلغاء القرار بالكامل. هناك عشرات التقارير التي تشير إلى الضرورة الحادّة لإبقاء أقنية المساعدات إلى مناطق المعارضة السورية من دون المرور عبر دمشق؛ ولكن يبقى هناك سؤالٌ ملحٌّ جدا بشأن إمكانية ذلك من دون التعرّض للضغط الروسي المستمر في مجلس الأمن.
الجانب السياسي
يبدد جزء كبير من عمل المؤسسات الإنسانية في المناصرة لتجديد قرار المساعدات الإنسانية "عبر الحدود"، من خلال التركيز على إظهار النتائج الكارثية إنسانيا في حال لم يجدّد مجلس الأمن القرار[1]، وقد انتقلت هذه المخاوف حتى إلى الشارع السوري الذي يزداد اعتماده على المساعدات بشكل كبير، حيث تجاوز عدد الأشخاص المحتاجين مساعداتٍ إنسانية في سورية 13.4 مليون، أكثر من نصفهم في حاجة ماسّة للمساعدات في قطاعات متعدّدة مع نسبة بطالة تتجاوز 50%، ووصلت نسبة السكان الذين هم تحت خط الفقر إلى أزيد من 80%[2].
يكتب السفير الأميركي السابق إلى سورية، روبرت فورد، في مقال[3] له عن "عبر الحدود"، إن واشنطن بالغت في تقدير ثقلها العسكري والسياسي في سورية، وظنت أنه يكفي للرئيس بايدن أن يطلب من نظيره الروسي بوتين تجديد قرار "عبر الحدود" ليقوم الأخير بذلك؛ ولم يسلّح بايدن نفسه في القمة التي جمعته مع بوتين، في جنيف الشهر الماضي (يونيو/ حزيران) بفريق يملك المعرفة الكافية عن الملف السوري، ولا عن العمليات الإنسانية، بينما جاء بوتين مع مبعوثه إلى سورية.
حجم الاهتمام الأميركي قد جعل الروس يرون في ذلك فرصةً أكبر للابتزاز وممارسة ضغط معاكس
حاولت الإدارة الأميركية أن تظهر حجم اهتمامها في تجديد قرار عبر الحدود عبر زيارة مبعوثتها إلى الأمم المتحدة، ليندا غرينفيلد، الحدود السورية التركية، وإجرائها لقاءاتٍ متعدّدة، وهي تحمل رسالة أساسية: "لا يوجد بديل عن عبر الحدود". ولكن يبدو أن حجم الاهتمام الأميركي قد جعل الروس يرون في ذلك فرصةً أكبر للابتزاز وممارسة ضغط معاكس،[4] مصرّين على مرور المساعدات عبر دمشق. وعلى الرغم من أن مقترحات روسيا برهنت على عدم جدواها نتيجة التدخل السوري الحكومي خلال سنوات، لتسييس المساعدات التي تمر عبرها، يحيث يظهر ذلك بشكل واضح في قراءة سريعة للوضع الإنساني، بعد إغلاق معبر اليعربية الحدودي، والذي كان يوصل المساعدات إلى مناطق شمال شرق سورية، حيث باتت اليوم تعاني من فجوة تتجاوز 26 مليون دولار عن العام السابق، إضافة إلى تراجع بنسبة 40% في وصول المساعدات الطبية. وقد تجلى ذلك في فرق الاستجابة لوباء كورونا بين مناطق المعارضة التي تستقبل المساعدات عبر الحدود عن تلك التي تنتظر الموافقات من دمشق.
تظهر إحصائياتٌ عديدة عرقلة الحكومة السورية 80% من طلبات الأمم المتحدة للوصول الإنساني عبر خطوط التماسّ، وقد وصلت هذه النسبة إلى 90% عام 2015 - 2016 [5]، كما لم تتجاوز نسبة المساعدات التي تصل إلى المستفيدين في مناطق النظام السوري 18%. [6]
تستعرض رسالة وزير الخارجية الروسي، لافروف،[7] إلى الأمين العام للأمم المتحدة ملامح السياسة الروسية بشأن "عبر الحدود" بشكل واضح، فالروس يعون جيدا أن تهديدات الدول الغربية بتقليص المساعدات إلى مناطق النظام في حال ألغي القرار غير حقيقية، فأغلبهم سيتجنب المزيد من اللوم على تدهور الأوضاع الإنسانية التي فاقمتها سنوات الحرب، والعقوبات، بينما لا يأبه النظام، ولا حليفه الروسي، بما يتحمّله السوريون من ضغط معيشي. بينما لدول الجوار، سيما تركيا، مصلحة كبيرة في استمرار مرور المساعدات عبر الحدود، خصوصا مع العدد الكبير من السوريين على حدودها، والذين يعانون أوضاعا إنسانية صعبة.
تظهر إحصائياتٌ عديدة عرقلة الحكومة السورية 80% من طلبات الأمم المتحدة للوصول الإنساني عبر خطوط التماسّ
ولا يمكننا أن نغفل أيضاً استفاقة النظام وعمله الدؤوب على العودة إلى الساحة الدولية، سيما عن طريق دهاليز الأمم المتحدة وأروقتها، حيث أن فريق وزارة الخارجية السورية المعني بالمنظمات الدولية أصبح اليوم مكتمل النصاب، سيما بعد تقلد فيصل المقداد منصب الوزير، فالأخير، كما نائبه بشار الجعفري، كانا، كل بدوره، مندوبا دائماً لسورية في مقر الأمم المتحدة في نيويورك أكثر من عشر سنوات؛ فيما سبق للمندوب الحالي، بسام صباغ، أن كان في الوفد الدائم في نيويورك، قبل أن يصبح ممثلاً لسورية في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وليكتمل فريق النظام بوجود حسام الدين آلا مندوباً دائماً لسورية في مكتب الأمم المتحدة في جنيف، والذي كان عرّاباً للخرق الذي أحدثه النظام للعزلة الأممية، عبر انتزاع مقعد في المجلس التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية. هذا الفريق يدعمه فيتو روسي عند الضرورة، وهو يدرك جيدا أهمية إدارة النزاع في أروقة الأمم المتحدة، ويستغل كل مناسبة وكل تفصيل لبناء مزيد من العلاقات والنفوذ. ومعتمداً أيضا وللأسف على الضعف التقني الذي يشوب هيئات المعارضة السورية ومكاتب تمثيلها وفعاليتها في كل من جنيف ونيويورك.
الجانب القانوني
هناك قراءات مختلفة للقانون الدولي الإنساني عن ضرورة الحصول على موافقة الدولة المتأثرة بالأزمة الإنسانية لتنفيذ عمليات إنسانية على أراضيها المحتلة، في حالة النزاعات العسكرية الدولية، بينما في حالة النزاعات العسكرية غير الدولية، من الملزم الحصول على موافقة الدولة لتنفيذ عمليات إنسانية على كل أراضيها، بما فيها الخارجة عن سيطرتها، حيث يذكر ذلك بوضوح في المادة 18 من البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقيات جنيف.
وفي ورقة نشرها مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، بالتعاون مع جامعة أوكسفورد[8]، عن المساعدات الإنسانية عبر الحدود، نجد أن موافقة الدولة المتأثرة ملزمة، ولكنها، أي الدولة صاحبة الأرض، لا يمكن أن ترفض تنفيذ العمليات الإنسانية بشكل تعسّفي، حيث تعتبر عدة مواد، كالمادة 14 من البروتوكول الثاني، منع وصول المساعدات الإنسانية بمثابة جريمة حرب، لا سيما الحصار الذي يعتبر انتهاكاً جسيماً وفعلاً محرّماً في القانون الدولي الإنساني.
استخدم تنفيذ العمليات الإنسانية عبر الحدود في عدة نزاعات وبأشكال مختلفة، وتم بعضها من دون موافقة الدولة صاحبة العلاقة، مثل التدخل في نيجيريا في عام 1960، أو إلقاء مساعدات جوية من الهند في سريلانكا عام 1978. وفي حين لا يوجد ذكر لتدخل قانوني لمحاسبة دول أو حكومات امتنعت عن إعطاء موافقات لدخول المساعدات الإنسانية، فهناك حالاتٌ تناولتها محكمة العدل الدولية تجاه تدخل إنساني من دون موافقة حكومة الدولة صاحبة الأرض، مثل حالة التدخل الأميركي في نيكاراغوا، حيث لم تعتبر المحكمة أن التدخل غير قانوني، بغض النظر عن الموقف السياسي للجهات المستفيدة من التدخل الإنساني. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الكوادر المحلية قد تكون عرضة للمساءلة، حسب القوانين المحلية، وليس الدولية.
يعد تدخّل مجلس الأمن لفرض وصول مساعدات في سورية من خلال صدور القرارين 2139 و2165 عام 2014 تطوّرا ملفتا في تاريخ العمليات الإنسانية عبر الحدود
تدخل مجلس الأمن في حالاتٍ عديدة، ليفرض وصول مساعدات إنسانية، بغض النظر عن الجهة التي تعرقل المساعدات، حكومية كانت أو قوات غير حكومية، كما حدث في العراق والبوسنة، أو في حالات أخرى بسبب غياب الدولة، كما في الصومال.
يعد تدخّل مجلس الأمن لفرض وصول مساعدات في سورية من خلال صدور القرارين 2139 و2165 عام 2014 تطوّرا ملفتا في تاريخ العمليات الإنسانية عبر الحدود عموما، حيث يلزم القرار كل الأطراف، من حكومة ومعارضة ودول جوار، بتسهيل وصول المساعدات الإنسانية عبر خطوط التماس، وعبر الحدود. وعلى ضوء القرار، تستطيع وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية أن تتدخل في سورية، من دون أن يعتبر ذلك خرقاً لمبدأ السيادة، أو للقواعد الآمرة في القانون الدولي. ومن المهم هنا أن يُلاحظ الفرق بين تدخل دولة إنسانيا وتدخل وكالات الأمم المتحدة، لن تقلق دول مثل تركيا، أو الولايات المتحدة أو حتى إسرائيل، تنفذ عمليات عسكرية على أراضي دولة من اتهامها بتنفيذ عمليات إنسانية، بينما لا ينطبق ذلك على وكالات الأمم المتحدة التي تحتاج إلى إجازة قانونية للقيام بأي عمليات إنسانية أو غيرها، ووفق ولاية واضحة تحدّد مهامّها .
الناحية العملياتية
بناء على هذا القرار الذي يجدّد سنويا، تشكلت آلية فريدة للتنسيق خصّت سورية، وهي آلية "كل سورية" (Whole of Syria) التي تنسق المساعدات بين عدة منصّات إنسانية في كل من بيروت، دمشق، غازي عنتاب التركية، وعمّان. إضافة إلى هذا الشكل المعقد الفريد للاستجابة الإنسانية في سورية، استطاعت المنظمات السورية الوطنية، وبشكل غير مسبوق، أن تطوّر قدراتها وتشغل مقاعد مهمة في آليات التنسيق الإنسانية، ما يجعلها قادرة على المساهمة تقنيا في اتخاذ القرار الإنساني.
تزيد تعقيدات العملية الإنسانية في سورية عدة عوامل، منها العقوبات الاقتصادية المفروضة على عدة قطاعات في سورية، ومنها مخاوف المانحين من العمل أو تمويل نشاطات إنسانية في مناطق تسيطر عليها فصائل مصنّفة على قوائم الإرهاب الدولية، ما يعقد الجوانب اللوجستية بشكل كبير. من دون أن ننسى أن المانحين الممولين للعملية الإنسانية في سورية، وصلوا إلى درجةٍ عاليةٍ من الإنهاك، حيث وبعد انقضاء النصف الأول من 2021 لم تتجاوز نسبة التغطية المالية لاحتياجات عام 2021 نسبة 15% فقط [9].
طوّرت المنظمات السورية قدراتها وإجراءاتها بشكل ممتاز يساعد على تجاوز جزء كبير من الصعوبات
وعلى الرغم من كل هذه الصعوبات، فقد طوّرت المنظمات السورية قدراتها وإجراءاتها بشكل ممتاز يساعد على تجاوز جزء كبير منها. وعلى عكس ذلك، لم تستطع المنظمات السورية أن تطوّر تجربة تنسيق العملية الإنسانية بشكل مستقل عن وكالات الأمم المتحدة، كما أن هناك ملفات مهمة وحسّاسة تستوجب قيادة وكالات الأمم المتحدة لها، كملف الاستجابة لكورونا، على سبيل المثال، وبالتالي سيبقى دائما هناك دور تقني وتنسيقي لوكالات الأمم المتحدة لا يمكن الاستغناء عنه.
هل من حل بديل؟
قبل أن يقرّ مجلس الأمن قرار عبور المساعدات عبر الحدود عام 2014، كانت المنظمات الإنسانية غير الحكومية تعمل بالفعل في مناطق عديدة، وتمرّر المساعدات عبر الحدود من خلال المعابر التجارية التي لم تتوقف. وبالتالي، كان هذا يحدث أصلاً من دون مباركة مجلس الأمن، وفي ظروف سياسية وعسكرية مختلفة تماما، وبدون أي انخراطٍ لوكالات الأمم المتحدة في العمل عبر الحدود. والأهم من ذلك اختلاف حجم الاحتياج وشكله، حيث كان عدد الذين يحتاجون مساعدات إنسانية في سوريا 6.5 مليون نسمة عام 2013، بينما يصل الآن إلى 13.4 مليون، كما أن حجم التمويل وقتها كان 1.5 مليار دولار، ليصل في 2020 إلى 2.7 مليار دولار. مع نقطة هامة جدا، أن عدد السكان اليوم في المناطق الممكنة الوصول عبر الحدود في كل من شمال شرق سورية، وشمال غرب، يتجاوز ستة ملايين، ليس لديهم أي قدرة على الحركة إلى مناطق سيطرة النظام، ولا إلى الدول المجاورة، بعكس الواقع عام 2013 حيث كان العدد أقل بكثير مع مرونة أعلى بالحركة على الأقل باتجاه تركيا، وبالتالي لن تعطي العودة إلى آليات العمل نفسها النتيجة نفسها.
نظرياً، من الممكن للجمعية العامة، وفق القرار 377، والمعروف ب"الاتحاد من أجل السلام"، أخذ صلاحيات مجلس الأمن، حين يفشل أعضاؤه في الوصول إلى اتفاق، لكن هذه الآلية لم تعتمد منذ عقود بسبب حرص الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن على عدم استخدامها، كونها تحدّ من نفوذهم. لكن هل لا يزال هذا الخيار ممكنا، بالنظر إلى حجم الجهود الدبلوماسية التي تبذلها الدول الداعمة للعملية الإنسانية؟
هناك اعتقاد إن لدى كل من وكالات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي مقترحات أخرى، لكنهم يتحفّظون عن طرحها، معتبرين الحل الأمثل هو إستمرار آلية "عبر الحدود"، وقد ذكر دبلوماسيون غربيون، وموظفون في وكالات الأمم المتحدة، عديدون، في اجتماعات تقنية كثيرة في أكثر من عامين، أن خطتهم في مناصرة تجديد قرار "عبر الحدود" هي عدم طرح حل بديل. حقيقة هذا كان ينفع قبل عام 2020 عندما كان الضغط الروسي ينتهي بتحصيل بعض مكاسب من الدول التي تفاوضها على تمرير القرار، ولكن بوجود معبر وحيد الآن، فإن خطة "لا يوجد حل بديل" لم تعد تنفع.
روسيا التي تحاول وقف عبور المساعدات "عبر الحدود" لم ولن تستطع وقف امتداد الأزمة السورية "عبر الحدود"، ولكنها لا تأبه، فهي تحصل من هذه الأزمة على ما تريد
تقترح الورقة الصادرة عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية وجامعة أكسفورد ثلاثة أشكال ممكنة من العمل عبر الحدود، يمكن من خلالها تجاوز عقدة موافقة الدولة المعنية: مساعدات وتمويل بشكل غير مباشر، ومن دون انخراط للكوادر الدولية في التنفيذ، ومن دون تواجد فيزيائي لهم، على أراضي الدولة التي تحدث فيها الاستجابة. الدور التنسيقي ودعم طلبات التمويل. جمع المعلومات عن الاحتياجات بهدف المناصرة.
يقع جزء كبير من عمليات "عبر الحدود" الحالية في سورية تحت أحد هذه الأشكال، ولربما هناك أدوار أخرى لن يستطيع مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية أن يمارسها، مثل دور التنسيق العسكري المدني، وإنْ كانت قيمة هذا الدور قد انخفضت بشكل كبير بعد انسحاب روسيا، من آلية تحييد المنشآت الإنسانية، والتي أصبحت آلية الإخطار، إلا أن هذا الدور مهم جدا للتنسيق مع الحكومة التركية بكل وزاراتها وأجهزتها. لتنفيذ واحد أو أكثر من هذه الخيارات، يجب أن تتوفر النية لدى كل من الدول المانحة ودول الجوار ووكالات الأمم المتحدة لطرح حلولٍ مشابهة. وعلى الرغم من أن شهية الحكومة التركية لبسط نفوذها على العملية الإنسانية تتبدّى بشكلٍ واضحٍ في مناطق سيطرة القوات الموالية لها، إلا أنه لا يمكن إنكار دورها الإيجابي في العملية الإنسانية، كما لا يمكن أن ننسى ضرورة انخراط وكالات الأمم المتحدة للمحافظة على هذا التوازن.
وتضع الخيارات الثلاث أعلاه أرواح الملايين من السوريين وأقواتهم ضمن احتمالاتٍ يقرّرها سياسيون، ووكالات الأمم المتحدة. ما هو مؤكّد من هذا كله أن خطة "عدم وجود حل بديل" لم تعد تنفع، وأن روسيا التي تحاول وقف عبور المساعدات "عبر الحدود" لم ولن تستطع وقف امتداد الأزمة السورية "عبر الحدود"، ولكنها لا تأبه، فهي تحصل من هذه الأزمة على ما تريد، وإنْ تم تجديد القرار يوم غد (10 يوليو/ تموز الجاري)، فيجب أن يكون الفاعلون الإنسانيون مستعدين لكل الاحتمالات في الفترة المقبلة. والأفضل أن يتخلصوا من هذا الضغط الدائم بإيجاد بدائل تحافظ على مرور المساعدات عبر الحدود، لا عبر مجلس الأمن.
المراجع: