المستوطنون يصحّحون كتابة تاريخ فلسطين
يعيد المستوطنون الصهاينة، لا المؤرّخون العرب الجدد، كتابة تاريخ فلسطين على الوجه الصحيح، ويُسقطون قشرة الأوهام التي يضعها إعلام العربية على غلاف الرواية لصياغة وعي الأجيال الجديدة.
إقدام مجموعات من المستوطنين الصهاينة على مهاجمة بلدة حوارة وقرى فلسطينية أخرى جنوبي مدينة نابلس يعيد الصراع على فلسطين إلى جذوره في بدايات القرن الماضي: عصابات من اللصوص الغرباء القادمين من الخارج يهجمون على أراضٍ ومنازل لانتزاعها بالقوة من سكّانها الأصليين وطردهم منها واتخاذها وطنًا وسكنًا لهم.
الحرق عقيدةٌ عند المستعمر الصهيوني، يحرق البشر والشجر والحجر، كما فعلوا أخيرا، مساء يوم انعقاد قمّة العقبة، بالهجوم على بلدات وقرى حوارة وبورين وقريوت وزعترة جنوبي نابلس، وسط حراسة وإسناد كاملين من جيش الاحتلال.
تبعث صور المحرقة الأحدث لقطات المذابح والمحارق الصهيونية القديمة من أرشيفها، لتجد تطابقًا تامًا بين فظائع عصابات شتيرن والهاغاناه والأرغون ضد الشعب الفلسطيني في دير ياسين والطنطورة في أربعينيات القرن الماضي قبيل إعلان قرار تقسيم فلسطين الذي كافأ المعتدين على جرائمهم ومنحهم واقعًا جغرافيًا وتاريخيًا مسروقًا، ثم بعد ذلك في سلسلة من مذابح التطهير العرقي الأخرى التي لم تنقطع حتى اليوم.
هذا الذي يحدث يعيد تعريف الكيان الصهيوني على الوجه الصحيح، عصابات احتلال يقودها مجرمون وليس دولة يحكمها سياسيون، هكذا بدأت إسرائيل، وهكذا تحيا، وهكذا سوف تنتهي، حيث يعتبر المستعمرون فلسطين كلها ساحة حرب، يتقدم فيها المستوطنون على الجنود، ويتفوقون في الكراهية والرغبة في الاجتثاث والإبادة، بحيث صار المستوطن (المدني البريء بمقاييس الملهاة) أكثر شراسةً في القتال والعدوان، ثم يصبح مطلوباً منك أن تدين فعل المقاومة وتجرّمه، لتحصل على شهادة متحضر ومستنير.
يقول التاريخ إنه في البدء لم يكن ثمّة جيش إسرائيلي، بل مجموعات من المدنيين المستعمرين هجموا على البلاد وافترسوها وطردوا أهلها، واستولوا على البيوت والمزارع، بحيث صار كل شبرٍ على أرض فلسطين مغتصباً ومسروقاً بقوة الإجرام، وقوة التواطؤ السياسي، المتخفّي في شعارات الباحثين عن شهادات الاستنارة الممهورة بالختم الصهيوني.
كل مستوطنةٍ إسرائيليةٍ هي قرية فلسطينية منتزعة، وكل مسكنٍ لإسرائيلي هو بيت فلسطيني مسروق، وكل مدني هو محاربٌ أكثر وحشيةً وشراسةً ضد الحقّ وضد العدل وضد المنطق، ومن ثم يبقى كلّ مترٍ من الأرض الفلسطينية دار حرب، فرضها المحتلون، ووضعوا قوانينها وشروطها الهمجية.
لكن هل يتحرّك المستوطنون في حماية قوات جيش الاحتلال النظامية فقط؟ وهل يقتلون بمباركة وإسناد وزير الأمن الصهيوني بن غفير، الذي انتقل من زعامة هذه العصابات إلى منصبه الحكومي هذا العام فقط؟
الشاهد أنّ حائط الحماية الأول لعصابات الاستيطان هو النظام العربي الذي يحضر بعد كلّ فعل إسرائيلي إجرامي ليحاصر رد الفعل الفلسطيني، حاملًا حقيبة التهدئة متحدثًا عن ضرورة وقف التصعيد، وتشاركه هذا الدور سلطة محمود عبّاس التي تقوم باعتقال المقاومين الفلسطينيين بالتزامن مع هجمات المستوطنين ... حتى الحياد بين المجرم والضحية لا تُمارسه سلطة رام الله، إذ تدفعها عوائد وأرباح التنسيق الأمني إلى الانحياز، عمليًا، للمعتدي، مردّدة كلامًا مكرّرًا حدّ الملل لا يقدّم ولا يؤخر.
كل ما يشغل الأنظمة العربية التي تتربّح من وظيفة التهدئة هو تفتيت الغضب الشعبي الفلسطيني المتصاعد ضد الهمجية الصهيوني، بحيث لا يتراكم ويؤدي إلى اندلاع انتفاضة فلسطينية شاملة، بمواجهة انتفاضة عصابات المستوطنين، هكذا يعلنونها صريحةً في وجه الشعب العربي، الذي بات محرومًا من التظاهر تضامنًا مع فلسطين.
ذات يوم، قال الزعيم الأفريقي نيلسون مانديلا "نعلم جيداً أن حريتنا منقوصة من دون الحرية للفلسطينيين"، وواقع الحال يقول إن العكس أيضًا صحيح: ستبقى حرية فلسطين مخطوفةن ما بقيت حريات الشعب العربي مقتولة.