المعارضة المصرية في تركيا من إضاعة الفرص إلى توريط تابعيها
بينما فتحت الدولة التركية أبواباً واسعة لتسهيلات وخدمات، كشفت الأحداث الجارية لمعالجة الهجرة غير الشرعية عن نقص واضح في تغطية الكيانات المعارضة المصرية احتياجات تابعيها، وهو ما يثير النقاش بشأن معايير عمل الجماعات السياسية وأسباب تعثر تغطيتها. ومع تطور العلاقات المصرية التركية، تواجه كيانات المعارضة المصرية والمحسوبين عليها تحدّيات التصرف في ميراث السنوات السابقة وتداعياتها، وقدرتها على التكيّف مع التغيرات الجديدة، ما يثير النقاش بشأن آفاق الانتقال من الحال الراهن والدخول في معالجات إنسانية وقانونية.
ومنذ السنوات الأولى، قدّمت تركيا تسهيلات للعيش بشكل قانوني، من دون تمييز بحسب الانتماء السياسي للمصريين. وفي جزءٍ كبيرٍ منها، شكّلت الثقة في البيانات الصادرة من الكيانات المصرية عاملاً رئيسياً في تأدية الخدمات. وحتى وقت قريب، استقرّت العلاقة على الاعتبارات الإنسانية. ولكن مع سعي الحكومة إلى ترتيب ملف الهجرة غير الشرعية، ظهر نقصٌ في تغطية التابعين بصورة أثارت القلق لدى شرائح مُعتبرة من المقيمين المصريين ذوي الانتماء السياسي. وما تثيره هذه التغيرات وتطلعات التوظيف السياسي للمنتمين تنظيمياً وسياسياً هو ما يتعلق بكفاءة (وحياد) الدور الإداري للكيانات المصرية في تأدية قائمة من الاحتياجات، كان من بينها الدعم الاقتصادي وتسوية الوضع القانوني للتابعين والتعبير عنهم تجاه الجهات الإدارية.
ورغم بدء قدوم المعارضين المصريين في نهاية عام 2013، اتّجهت التطلعات نحو الرغبة في احتكار الحديث باسمهم لدى الجهات التركية. وفي هذا السياق، نشأت جمعيات مدنية عديدة، ليس تعبيراً عن التنوّع بقدر ما كانت انعكاساً للانقسام والتطلع إلى ظهور زعامات جديدة. دفعت هذه الحالة إلى البحث عن كيان مُوحّد يزيل الإرهاق عن المؤسّسات التركية، وظهر مشروع يضم الجمعيات القائمة تحت مظلة واحدة، لتتكون "جمعية الجالية المصرية في تركيا" إطارا إضافيا للمنظمات الاجتماعية المتنافسة على التعبير عن المصريين، من دون حدوث تقدّم جوهري في المسارين الاجتماعي أو السياسي.
أحدثت انقسامات جماعة الإخوان المسلمين المعارضة إجهاداً للإدارة التركية، وذلك فيما يتعلق بكيفية تشكيل الانقسام وعبء التعرّف إلى أتباعه وتحديدهم
وبجانب التكوين السياسي للمعارضة، تشكّل سياق اجتماعي لشيوع القناعات بالبقاء والوجود الدائم. ساعدت هذه التطلّعات على المزج ما بين الإطارين السياسي والاجتماعي، لتشكيل أرضية للمعارضة الدائمة. وحسب إحصائيات إدارة الهجرة التركية، يبلغ عدد المصريين ما بين ثلاثين ألفا وأربعين ألفاً، تدور تقديرات المنضوين في روابط سياسية حول أربعة آلاف شخص، تنازعت الجماعات والأحزاب على ضمان ولائهم.
قد تساعد هذه التجربة في الاقتراب من أسباب الإخفاق الكلي للمعارضين على المستويين، السياسي والاجتماعي. على المستوى الهيكلي، عانت كيانات المعارضة من الاهتزاز والانقسام، ورغم تغير أشكالها من "تحالف دعم الشرعية" وصولاً إلـى "اتحاد المعارضة المصرية في الخارج"، بحيث يمكن قراءتها محاولات لإعادة التعبئة والحشد لأجل توظيف القاعدة الاجتماعية على خلفية الانتماء الأيديولوجي للمجموعات الإسلامية أو أفراد الليبرالية شكلياً.
وتحت الصراع على التمثيل لدى الجهات في تركيا، أحدثت انقسامات جماعة الإخوان المسلمين المعارضة إجهاداً للإدارة التركية، وذلك فيما يتعلق بكيفية تشكيل الانقسام وعبء التعرّف إلى أتباعه وتحديدهم. ظلت هذه المشكلة مستمرّة على مدى السنوات التالية لعام 2015، حيث واجهت الإدارة أشكالاً مختلفة من الكيانات المصرية، تنوّعت ما بين الثورية للتقليدية، وترابط معها ظهور شبكات مصالح متباينة التطلعات، وحملت في طيّاتها روحاً صراعية على التمثيل والاتصال مع الدولة في صورة أضفت انطباعاً سلبياً وتشويهاً للصورة الذهنية. وقد ارتبط هذا الصراع بتعريف المشمولين بالتسهيلات الحكومية. اتّخذت هذه الجزئية مسار تنازع بين الكيانات المختلفة اعتماداً على معيار الانضباط التنظيمي والأيديولوجي. وبينما اقتصرت فِرق الإخوان المسلمين على معيار الانضواء تحت مظلّة التنظيم، لم تربط الجماعة الإسلامية تقديم خدماتها بالولاء السياسي.
تتشارك معارضات المنفى في التحوّلات الزئبقية، فهي تتّخذ مواقف متتابعة من دون الاهتمام بالمآلات
وتفاقمت المشكلات مع سيولة الارتباط بالتنظيمات لاعتباراتٍ مصلحية، فيما غادرتها أعداد مُعتبرة وقاطعت أنشطتها. ولذلك، تنامى العامل الشخصي في إدراج المشمولين بالتسهيلات، وبدت تبعية الأفراد لأقسام الإخوان، على سبيل المثال، غير واضحة، وحدث تداخلٌ بينها وصارت تتنقل عشوائياً، ما يثير الجدل بشأن جهة المسؤولية عن التصرّفات والالتزام الحركي؛ فقد تجاوزت الاتجاهات الثورية والتقليدية داخل أطر تنظيمية للحصول على التسهيلات، ثم مغادرتها بعد وقت وجيز، وبطريقة تعكس عدم القناعة بالاستمرار داخل دائرةٍ يرونها فاقدة للاعتبار الأخلاقي.
وقد شجّع انكشاف المعارضين على نقل التعامل معهم إلى المستويات الإدارية، وخصوصاً عندما صارت تركيا أكثر اطمئناناً بتواضع قدراتهم والمغالاة في تقدير الذات. وقد تسبّب التنافر الداخلي لحركة الإخوان المسلمين في نشأة جمعيات أهلية، سعى كلّ منها إلى فتح قنوات اتصال جديدة للحصول على المزايا لشريحة من الأتباع الجدد. تُمثل "جمعية الجالية المصرية" محاولة لتكوين شكل واحدٍ للمقيمين في الخارج، لكنها، حسب تكوينها من المعارضين، صارت على تداخل مع الخلاف التنظيمي لحركة الإخوان، ومجالاً لتنازع الدور الاجتماعي أو السياسي مع الحركات الأخرى.
بشكل عام، لم تكن هناك صورة واحدة للتعامل مع ملفّ الخدمات، فبدايةً من التخصيص المنافع حسب الانتماء الأيديولوجي وانتهاءً بشبكات القرابة والتجارة، ظهر ما يمكن تصنيفه انحرافاً عن الأهداف الأصلية للتسهيلات الرسمية، وخصوصاً ما يتعلق بنقص تغطية المستحقين لحساب عمليات تجارية. وحسب شكاوى غير المشمولين بالتغطية، يمكن تقدير نسبة غير المستحقين للرعاية السياسية لما يقرب من 40%، وبغضّ النظر عن معالجتها إحصائياً، ظهر جانب من هذه العيوب لدى استخدام الأوراق، بالمخالفة لشروط منحها. وإزاء هذه التباينات، يبدو مُهماً، تكوين سياق سياسي مشترك لمعالجة مستقلة لهذه المشكلات، على نحوٍ يراعي الحاجات الشخصية.
هيمن النظر إلى تركيا جمعية خيرية على عقول معارضين كثيرين، ولم يدُر بخيالهم مناقشة فرضية تغير الظروف
ومن وجهة تقييم الحالة الراهنة، هيمن النظر إلى تركيا جمعية خيرية على عقول معارضين كثيرين، ولم يدُر بخيالهم مناقشة فرضية تغير الظروف، وساروا على نحو طُفيلي يتغنّون بالمسؤولية الأخلاقية من دون مراعاة لأعباء وجودهم، فخلال مراحل تطور العلاقات التركية ـ المصرية، كان الانشغال واضحاً باللوم على استجابة تركيا لتقييد الإعلام والاستجابة للتغير الإقليمي من دون تقديم تصوّر للمستقبل السياسي.
وبينما اهتم بعضهم بفتح قنوات للنشاط الإعلامي أو السياسي من دون توفر موارد واضحة، صَدَّر الإخوان المسلمين حديثاً عن مهمة رسالية لمجتمعهم الجديد على حساب البحث عن توفير حلٍ سياسي لمشكلاتهم، أو تأمين المشمولين بالرعاية. وتبنّت الجماعة خطاباً عقدياً، قام في معظمه على التماثل مع الهجرة النبوية من مكّة إلى المدينة. من الناحية الواقعية، يمكن تفسير تلك التأويلات هروباً من المسؤولية الأصلية؛ حيث البحث عن حلٍ لوضعهم ما بعد 2011؛ فقد صار توظيف مصطلح الهجرة أقرب إلى مراوغة عجزت معها عن تقديم حالة نجاح سياسي، فبينما تتحسّن العلاقات التركية ـ المصرية، بدت المعارضة متردّدة في تَفَهم التغير الجديد، بحيث لم تبذُل جهداً في الحصول على ثقة الحكومة التركية، بل ذهب نفرٌ منها إلى التشكيك في جدوى تطوير العلاقات الثنائية إلى حد وصفها بالهرولة وإثارة اللغط حولها.
على أية حال، تتشارك معارضات المنفى في التحوّلات الزئبقية، فهي تتّخذ مواقف متتابعة من دون الاهتمام بالمآلات. وبشكل عام، تكشف هذه الممارسات عن فقدان القدرة على التكيّف مع التغير السياسي، وكان التوجّه واضحاً نحو توفيق الأوضاع القانونية أكثر من البحث عن ملاءمة سياسية، تعكس حالة من الفصام، اتسمت بالتركيز على معالجة مشكلة سياسية بأساليب إدارية، ومن دون التفات لأعباء المستقبل وتحويل الفرص إلى مصالح فردية. ليس هناك توقع أن تُمثل هذه النتائج جوهر النقاش، بقدر توفير صيغة آمنة للمتضرّرين من تصرّفات المعارضين وتراعي مصالح البلدين.