المعركة بدأت مع الترامبية عربياً
كاتب وصحفي، عمل مديرا عاما لقناة الجزيرة (2014-2018)، ومراسلا. وصانع أفلام، وكاتبا في صحف الرأي والغد والحياة.
غادر مذموما مدحورا، بعدما فشلت كل محاولاته المستميتة للانقلاب على نتائج الانتخابات، وعدم الاعتراف بالهزيمة. خذله الجيش الذي لا يخرج عن وظيفته في حماية الدستور، تماما كما خذله القضاء من المحاكم الاتحادية إلى المحكمة العليا، مسجّلا سابقة في تاريخ أميركا في عدم الاعتراف بنتيجة الانتخابات. خلّف كثيرا من الدمار والاستقطاب ونذر الاحتراب الأهلي، لكن ذلك سينتهي في ظل تماسك المؤسسات وسيادة القانون، ووجود الحد الأدنى من المعايير الأخلاقية لدى النخب السياسية. ما لا يمكن أن يصلح هو أرواح أكثر من 400 ألف أميركي حصدهم فيروس كورونا، بسبب تجاهله الفيروس وخطره، وانعدام الكفاءة في التعامل مع اللقاح.
عمّ ضرره العالم، وخصوصا عالمنا العربي والإسلامي، ونحتاج سنوات للتخلص من "الترامبية" وآثارها. بالنسبة للأميركيين خسروا وربحوا منه، ولولا كورونا لأعيد انتخابه. خسارتنا نحن، عربا ومسلمين، صافية بلا أرباح. صحيح أنه تعامل مع المنطقة بمنطق السطو والنهب والابتزاز، لكن ما هو أخطر من ذلك نجاحه في "تعريب الصهيونية وأسلمتها"، وتوطينها خارج حدود الأرض المحتلة. صحيحٌ أنه أجوف بلا فكر ولا ثقافة ولا أيديولوجيا، لكن هذا التجويف والفراغ ملأه عتاة الصهاينة وأعداء العروبة وكارهو الإسلام. يكفي كبير استراتيجييه ستيف بانون الذي يدين له بالوصول إلى البيت الأبيض، والذي كان من آخر خطاياه (ترامب) العفو عنه في قضية نصب واحتيال، فالمفكر الصهيوني الاستراتيجي اختلس أموالا من جمعيةٍ تساند بناء الجدار العازل مع المكسيك. وما لا يقل عنه إسلاموفبيا الجنرال مايكل فلين الذي اصطدم مع أوباما، وكان أول مستشار لترامب للأمن القومي وأول الذين عفا عنهم، لم يتردد في دعوة الجيش إلى إعلان الطوارئ والانقلاب على نتائج الانتخابات.
فوق هؤلاء جميعا الصهر والمسؤول عن منطقتنا، جاريد كوشنر، صهيوني متطرّف وقبيح، ومن عائلة نصب واحتيال تتبرّع للمستوطنات والمتطرفين الصهاينة، ولا تتعامل مع العالم العربي إلا بمنطق التطوير العقاري، كان له أوسع مساحة في فراغ ترامب وتجويفه. الرئيس يكره الإسلام والعرب وفلسطين لأنه أميركي عنصري، ولا يهتم بالقدس ولا بالمسجد الأقصى ولا تعنيه كنيسة القيامة. الصهر يتطلع إلى بناء الهيكل، وتلمس خطا أجداده اليهود، وكما ملأ الفتى الصهوني فراغ الرئيس الأجوف، "صادف قلبا خاليا فتمكّنا" في زعماء عرب مجوّفين أيضا. وهذا ما عبر علنه اتفاق التحالف الاستراتيجي بين الإمارات وإسرائيل بخاصة، وصفقة القرن بعامة.
نجح كوشنر في تجنيد صهاينة عرب ومسلمين، ينكرون الحق الفلسطيني، ويبنون شرعيتهم على أساس خدمة الصهيونية. ظل الزعماء في المنطقة، على اختلاف اتجاهاتهم، يتنافسون، من عبد الناصر والملك فيصل والملك حسين وصدام حسين وحافظ الأسد والخميني، مَن الأكثر التزاما بقضية فلسطين، تمكّن شاب تافه من أسرة محتالة وضيعة من جعل قادة عرب ومسلمين يتنافسون مَن أكثر ولاءً للصهيونية. التجويف والخواء لدى جيل من الزعامات لا يعرف شيئا عن تاريخ أمته، ولا دورها في الحضارة البشرية، ولا يشعر بالانتماء إلى أرضها وناسها جعلهم ينتشون بالتواصل مع ساكن البيت الأبيض، ويؤمنون بما يمليه عليهم، متناسين أنه آفل، وأن الباقي هو الشعوب والجغرافيا.
ستقضي أميركا على الترامبية. لن يقضي ترامب وكوشنر وباقي العصابة حياتهم بالسجن لأنهم صهاينة، بل لأنهم سرقوا أموال الشعب الأميركي بسبب تهرّبهم الضريبي واحتيالهم. آخر منجزات محامي ترامب الضغط على الكونغرس حتى لا يكشف عن سجله الضريبي. في النهاية، سيلاحقه الكونغرس بسبب تهرّبه الضريبي واحتياله، وعمالته للروس وغير ذلك من موبقات. عندما تموت الترامبية في مهدها تموت عندنا، وذلك لا يعفي شعوبنا من مهمتها في شراكة العالم في الحرب على الترامبية، وهذه في منطقتنا تتلخص في مواجهة النسخة المعرّبة من الصهيونية.
كاتب وصحفي، عمل مديرا عاما لقناة الجزيرة (2014-2018)، ومراسلا. وصانع أفلام، وكاتبا في صحف الرأي والغد والحياة.