النبي محمد على قائمة التطبيع السعودي
في ضوضاء العبث في ليبيا، ووسط ضجيج طبول حرب التصريحات الإعلامية بين القاهرة وأنقرة، مرّ هذا الخبر الكارثي، من دون أن يهتم به أحد بالقدر اللازم: السعودية تستخدم اسم النبي محمد عليه الصلاة والسلام في صراعها المحموم للظفر بلقب الأكثر تطبيعًا مع الكيان الصهيوني.
أنت هنا لستَ أمام مدوّن هاوٍ يبحث عن شهرة، أو فرصة سياحة ترفيه مجانية عند الصهاينة، ولستَ بصدد جنرال متقاعد ينافس على مركز متقدّم في سوق التطبيع السعودي الإسرائيلي التي جرى تدشينها رسميًا مع زيارة ترامب الرياض وتصعيد محمد بن سلمان سياسيًا.
لستَ هنا مع رقصة تطبيع شخصية يمارسها هواة غير رسميين، يمكن وقت اللزوم التصريح بأنهم لا يمثلون الدولة السعودية، وإنما أنت الآن مع خطوة رسمية تنقل التطبيع إلى عمق أبعد، حيث يأتي الدور على الجامعة الحكومية الأولى في السعودية، جامعة الملك سعود، لتتولى قيادة الهرولة نحو المحتل الصهيوني، فينشر محمد الغبان، أستاذ اللغة العبرية بكلية اللغات والترجمة بجامعة الملك سعود، مقالاً باللغة العبرية في مجلة تصدر عن جامعة إسرائيلية، في سابقةٍ هي الأولى، كما قال الإعلام الصهيوني.
القفزة السعودية احتفت بها جامعة تل أبيب (الحكومية) الأسبوع الماضي، معلنة أن الباحث السعودي وأستاذ اللغة العبرية في جامعة الملك سعود (الحكومية)، محمد الغبّان، نشر مقالاً في مجلة "كيشر" باللغة العبرية في محاولة "تحسين صورة النبي محمد في أعين اليهود" بحسب ادّعاء كاتبه.
سلطت الصحافة الإسرائيلية الضوء على المقال الذي نشر تحت عنوان طويل ومفصل، يقول "مساهمة في تحسين صورة النبي محمد في أعين الجمهور الإسرائيلي: تحالفات ومراسلات محمد مع يهود شبه الجزيرة العربية". وأوضح السعودي الغبّان في مقاله إن "نبي الإسلام أقام علاقات جيدة مع اليهود، واشتبك معهم في أمور سياسية فقط، وليست دينية على الإطلاق".
ونقلت صحيفة "إسرائيل اليوم" عن البروفيسور الإسرائيلي، رعنان رين، من معهد "روزنفيلد" في جامعة تل أبيب، إن "أهمية المقال تنبع، أولاً وقبل كل شيء، من أنها المرّة الأولى التي يختار فيها باحث سعودي بارز نشر مقال أكاديمي في مجلة أكاديمية إسرائيلية، بهدف إزالة الحواجز".
مرّة أخرى، أنت أمام عملية تدليس أكاديمية يقوم بها الباحث السعودي، ممارسًا الاحتيال على التاريخ باسم النبي عليه الصلاة والسلام، ذلك أن القول إن محمدًا بن عبد الله كان حريصًا على علاقات جيدة مع اليهود هو الحق التاريخي الذي يراد به الباطل السياسي، فالثابت أن اليهود لم يكونوا محتلين غاصبين لدولة إسلامية أو عربية في ذلك الوقت، بل كانوا جزءً من التركيبة السكانية الأصلية في الجزيرة العربية، وبالتالي من صور النصب والاحتيال الأكاديمي التأسيس على تلك الحقيقة التاريخية البعيدة لتسويغ التصالح مع جريمة سياسية وإنسانية راهنة، يجسدها قيام الاحتلال العسكري الصهيوني القادم من قارات أخرى بعيدة على أنقاض دولة عربية ضاربة بجذورها في عمق التاريخ، الذي لا يزيد نصيب الدولة السعودية منه عن قرن واحد وعقدين من الزمان.
النبي محمد لم يتحالف مع محتلين مستعمرين يسرقون الأرض ويقتلون البشر ويحرقون الزرع، ليقيموا كيانهم السياسي على جثث السكان الأصليين أصحاب البلاد، بل كانت ترتيبات مرحلية مع مجموعة من المواطنين المنتمين للديانة اليهودية، انتهت وانقضت مع خيانتهم وتآمرهم ونقضهم العهد والاتفاق مع المسلمين، وهو الذي كان يقوم لجنازة أحدهم إذا مرّت، ليس من باب النفاق الاجتماعي أو الرياء السياسي، وإنما من منطلق القيم الإنسانية الرفيعة التي جسدتها سيرته.
هذا ما يعرفه ويفهمه أصغر تلميذ عن نبي الإسلام الحقيقي، وليس" إسلام نيوم" الذي يريد أن يفرضه محمد بن سلمان دينًا معدّلًا حسب المواصفات الصهيونية، في إطار سعيه الذي لا يهدأ ليكون التطبيعي الأول، والأولى بالرعاية الإسرائيلية التي صارت البند الأول في مستلزمات تثبيت مقاعد الحكم في المنطقة.