الهند والغزو الروسي لأوكرانيا.. بين حليف قديم وشريك جديد
تشكّل الحرب الروسية الأوكرانية التي بدأت يوم 24 فبراير/ شباط 2022 اختباراً لخريطة التحالفات والانحيازات والمواقف الدولية، ولقدرة الولايات المتحدة، وغيرها من الدّول، على كسب تأييد دولي لسياساتها. وللهند أهمية خاصة في هذا الاختبار، لعدة اعتبارات، أحدها مكانة الهند الصاعدة، فضلا عن الموقع الجغرافي للهند، والعلاقات التاريخية الوثيقةَ بين موسكو ونيودلهي.
تشير المؤشرات الأولية إلى فشل واشنطن في الحصول على المواقف الهندية المطلوبة، تماماً مثل الفشل مع الصين ومع دول الخليج العربية. وفي حالة الهند، هناك مصالح متبادلة مع الروس، تجعل توقع موقف متعجل ضد موسكو أمرا مستبعدا وغير متخيل، ولكن هذا لا يعني أنّ ذلك سيستمر بالضرورة إلى الأبد.
كانت أول محطات اختبارات الموقف الهندي في الأزمة الأوكرانية الروسية التصويت على قرارات الأمم المتحدة. وقد امتنعت نيودلهي عن التصويت على القرارات الأممية في الأمم المتحدة، أهمها، قرار مجلس الأمن في 25 فبراير/ شباط، وقرار الجمعية العامة في 2 مارس/ آذار، اللذان تبنيا "إدانة العدوان الروسي على أوكرانيا، والانسحاب الفوري لقواتها". كما استخدمت الهند أسلوبها التقليدي في الحذر الخطابي، عبر الإعراب عن "القلق العميق" وضرورة احترام القانون الدولي، بما في ذلك ميثاق الأمم المتحدة، في "الحفاظ على سيادة الدول وسلامة أراضيها، ومعارضة استخدام القوة وضرورة حل النزاعات بالطرق السلمية"، من دون ذكر اسم أي دولة بشكل مباشر، ومن دون انتقاد روسيا صراحةً.
أثار موقف الهند في الأمم المتحدة بشأن "الوضع في أوكرانيا" انتقاداتٍ وتساؤلات من الغرب، وخصوصا الولايات المتحدة. كتب رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأميركي ريتشارد هاس، على "تويتر"، في 25 فبراير/ شباط 2022: "استجابة الهند الحذرة، وتجنّب إغضاب (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين بأي ثمن، على الرغم من العدوان الروسي السافر ضد أوكرانيا، يبرز أنها لا تزال غير مستعدّة لتحمل مسؤوليات القوى العظمى، أو لأن تكون شريكاً يُعتمد عليه". وقال الرئيس الأميركي جو بايدن إن واشنطن ستجري مشاورات مع الهند بشأن أزمة أوكرانيا، رداً على سؤال صحافي بشأن موقف الهند بعد التصويت في المجلس.
اتجهت الولايات المتحدة إلى تقديم نفسها بديلا محتملا وقويا للهند، إن لم يكن على المدى القصير، ربما على المدى البعيد
حاولت واشنطن الضغط على نيودلهي لتغير موقفها بشأن "أزمة أوكرانيا"، عبر "تحالف كواد"، وهو منتدى استراتيجي غير رسمي يضم أربع دول، الولايات المتحدة، والهند، وأستراليا واليابان، اجتمع لأول مرة، في عام 2007، وتبنّى مجموعة أهداف اقتصادية، وإنسانية وديمقراطية، إلى جانب التدريبات العسكرية لجميع الدول الأعضاء. وقد وصف دبلوماسيون ومسؤولون صينيون المجموعة بأنها "النسخة الآسيوية لحلف شمال الأطلسي (الناتو)"، للضغط عليها.
عقد اجتماع افتراضي لقادة الرباعي (كواد) في 3 مارس/ آذار 2022. وعقد اجتماع آخر في 24 مايو/ أيار 2022 في طوكيو. ناقش القادة المشتركون الأوضاع الإقليمية والعالمية، بما في ذلك تأثير الوضع في أوكرانيا على المحيطين الهندي والهادئ. اكتفى البيان الصادر عن الاجتماع بأنه ناقش "الأزمة الإنسانية المأساوية المستمرة"، وأكّد على "قواعد ومبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، لحل النزاعات بالطرق السلمية".
اتجهت الولايات المتحدة إلى تقديم نفسها بديلا محتملا وقويا للهند، إن لم يكن على المدى القصير، ربما على المدى البعيد. قالت فيكتوريا نولاند، وكيلة وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية، لقناة NDTV الهندية، في 22 مارس/ آذار 2022: "نحن نعرف العلاقة التاريخية والعلاقات الدفاعية بين الاتحاد السوفييتي أولاً ثم روسيا مع الهند في وقتٍ لم تكن فيه الولايات المتحدة مستعدّة لإقامة هذا النوع من العلاقات. لكن الأوقات تغيّرت الآن، من حيث الولايات المتحدة والرغبة الأوروبية في أن نكون شريكاً دفاعياً وأمنياً قوياً مع الهند، فإننا نفعل المزيد والمزيد في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وما إلى ذلك"، وأضافت أن الولايات المتحدة يمكن أن توفر "بدائل للهند لإجراء التحول" في العلاقات الدفاعية والأمنية". كما أكدت السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض جين ساكي، في 11 إبريل/ نيسان 2022، في الاجتماع الافتراضي بين رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي والرئيس الأميركي جو بايدن، أن "الولايات المتحدة مستعدّة لمساعدة الهند على تنويع وارداتها من الطاقة، ما سيجعلها أقل اعتماداً على روسيا".
انتهى الحوار الوزاري السنوي الرابع بين الولايات المتحدة والهند (2 + 2)، في 11 إبريل/ نيسان 2022 في واشنطن، إلى بيان مشترك أعرب وزراء الخارجية فيه عن "استعدادهم للنظر للتعاون بين البلدين في مختلف المجالات، أهمها توسيع التعاون بين قطاعات الطاقة في البلدين، والتأكيد على بناء شراكة دفاعية متقدّمة، والتعاون في العلوم والتكنولوجيا في تطوير مجالات دفاعية جديدة، بما في ذلك الفضاء الإلكتروني والذكاء الاصطناعي". رغم ذلك بقيت الهند ملتزمة "الحذر الخطابي" في دبلوماسيتها عبر كل الاجتماعات الافتراضية والوجاهية للمسؤولين الهنود مع الولايات المتحدة، من دون "إدانة" روسيا أو انتقادها.
سعت الهند إلى الاستفادة من الحسومات الكبيرة لزيادة واردات النفط من روسيا
وفي الواقع، ليس مستغرباً أن تتّخذ الهند موقف عدم "إدانة" روسيا في حربها في أوكرانيا؛ فهناك مواقف مماثلة للهند في علاقتها مع روسيا بشأن أوكرانيا؛ امتنعت الهند عن التصويت في مارس/ آذار 2014 على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المتعلق "بالسلامة الإقليمية والداعم لوحدة أراضي أوكرانيا"، بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم. الموقف الهندي غير مفاجئ ويتوافق مع العلاقات الخاصة التي تربط الهند مع روسيا؛ ويمكن الإشارة إلى مصالح تفسّر سياسة نيودلهي. أولها، أن روسيا قدّمت دعما دبلوماسيا وسياسيا للهند في الأمم المتحدة بشأن قضية كشمير بين إسلام آباد ونيودلهي. ثانياً، لا تزال روسيا أكبر مورد للأسلحة للهند، على الرغم من انخفاض حصتها إلى 46% من 69% بين عامي 2017-2021، وذلك وفقاً لتقرير معهد استوكهولم لبحوث السلام الدولي الصادر في مارس/ آذار 2022؛ جاء ذلك مع جهود الهند المتزايدة لتنويع قاعدة مورّدي الأسلحة، وتعزيز التصنيع الدفاعي المحلي. ولا يتعلق الأمر بحجم الواردات الدفاعية وحسب، بل أيضاً هناك نوعية التعاون؛ إذ تمنح موسكو نيودلهي امتيازاتٍ خاصة في ما يتعلق ببرنامج التعاون العسكري الفني، ويشمل مشاريع عديدة ثنائية جارية حالياً، أهمها الإنتاج المحلي لدبابات T-90، والطائرات الحربية "سوخوي – 30 أم كي إي". كما توفر موسكو لنيودلهي التكنولوجيا العسكرية "عالية التقنية" الضرورية للحفاظ على أمنها؛ فمثلاً، وقعت الهند مع روسيا، في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، صفقة لشراء خمس وحدات من أنظمة صواريخ الدفاع الجوي S-400. وفي ديسمبر/ كانون الأول 2021، بدأت روسيا تسليم تلك الأنظمة إلى الهند. وأكد السفير الروسي في الهند دينيس أليبوف، في يونيو/ حزيران 2022، أن تسليم أنظمة صواريخ S-400 إلى الهند "يسير جيدا" وفقاً للجدول الزمني.
ثالثاً، اقتصادياً، يعد تعزيز التعاون التجاري والاستثماري بين الهند وروسيا أولوية رئيسية لكلا البلدين؛ إذ تسعيان إلى زيادة حجم التجارة الثنائية إلى 30 مليار دولار، وزيادة الاستثمار الثنائي إلى 50 مليار دولار بحلول عام 2025. وفي ظل ارتفاع أسعار النفط العالمي مع "الغزو الروسي لأوكرانيا"، أصبح متوقّعاً أن تواجه الهند تحدّيات في حصولها على إمدادات الطاقة؛ حيث تعدّ الهند ثالث أكبر مستهلك للنفط، وهي تستورد ما يقارب 85% من احتياجاتها من النفط الخام، لكن شركات النفط الروسية قدّمت للهند حسماً بنسبة تراوح بين 25-30%.
فشل واشنطن في الحصول على المواقف الهندية المطلوبة، تماماً مثل الفشل مع الصين ودول الخليج العربية
سعت الهند إلى الاستفادة من الحسومات الكبيرة لزيادة واردات النفط من روسيا. وأكّدت وزيرة المالية الهندية نيرمالا سيثارامان في 7 مايو/ أيار 2022، أن بلادها ستمضي في ما هو جيد لها، و"إذا كان النفط الروسي الرخيص متاحاً، فسنشتريه". وقد أظهرت بيانات قدمتها مصادر تجارية، مثل شركات كبلر ورويترز وريفينيتيف إيكون، ومركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف، أنّه بينما لم تستورد الهند في شهري يناير/ كانون الثاني وفبراير/ شباط 2022، أي نفط خام من روسيا على الإطلاق، فإنّ الواردات في مارس/ آذار ارتفعت لتصل إلى أكثر من 65 مليون برميل (خام الأورال الروسي) حتى شهر يوليو/ تموز، لتصبح روسيا ثاني أكبر مورد للنفط الخام للهند، بعدما كانت عاشر أكبر مورد في عام 2021، ومن المرجّح أن تصبح روسيا أكبر مورّدي النفط إلى الهند في الأشهر المقبلة. وكذلك اتجهت نيودلهي إلى إحياء آلية جديدة للدفع بالروبية – الروبل؛ إذ جرى الاتفاق خلال زيارة وزير خارجية الاتحاد الروسي سيرغي لافروف، في 31 مارس/ آذار 2022، على ترتيبات جديدة، حيث "سيسمح بالدفع بالعملة المحلية للمصدرين والمستوردين في كل دولة عبر البنك المركزي الهندي، والبنك الاحتياطي الهندي، والبنوك الروسية الكبيرة التي لها عمليات في الهند".
تحدّيات وفرص
بموازاة هذه المصالح الهندية الروسية، فرضت تطورات الأزمة الأوكرانية تحديات معقدة، وأخرى أتاحت فرصا أمام السياسة الخارجية الهندية.
أولاً، سيكون صعباً على الهند الاستمرار في "سياسة عدم الانحياز" في إطار متابعة مصالحها مع كل من موسكو وواشنطن، وذلك في حال اتجه النظام الدولي إلى مزيد من الاستقطاب؛ نظراً إلى أن "طبيعة العلاقة" وتحالفاتها مع كلٍّ من الجانبين، لم تكن بهذا الشكل من التطور في زمن الحرب البادرة. في المقابل، سيكون من السهل على الهند متابعة "سياسة عدم الانحياز" في نظام دولي توجد فيه مراكز قوة متعدِّدة، منها الهند؛ ما قد يوفر لها "فرصا انتهازية" لتحقيق مصالحها في علاقتها الخارجية.
ثانياً، واجهت الهند، وفق وسائل إعلام محلية، ضغوطاً أميركية لوقف خطة الدفع بالروبية – الروبل، سالفة الذكر، لكن الهند لم تستجب للضغوط؛ فقد سمح بنك الاحتياطي الهندي، في 11 يوليو/ تموز 2022، بإصدار الفواتير والمدفوعات الخاصة بالتجارة الدولية بالروبية، ما قد يسهل زيادة الأعمال الثنائية مع روسيا التي تواجه مجموعة واسعة من العقوبات الغربية، وذلك لتجنب التعامل بعملة أجنبية حرة (الدولار الأميركي)، في وقت تفتقر لها روسيا، وهذا سيؤدّي إلى زيادة التجارة بين البلدين، خصوصا في ظل إتاحة روسيا فرصا عديدة، أهمها تخفيض أسعار النفط الخام. في المقابل، وصف الغرب ذلك بأنّهُ "تحايل على نظام العقوبات الغربية".
قد يؤثّر نظام العقوبات الغربية على روسيا على واردات الأسلحة إلى الهند من موسكو
ثالثاً، قد يؤثّر نظام العقوبات الغربية على روسيا على واردات الأسلحة إلى الهند من موسكو. ومن المحتمل أن يعطّل نظام العقوبات الغربية بعض المشاريع الثنائية الخاصة في المعدّات الدفاعية بين الهند وروسيا، وخصوصا إذا فعّلت الولايات المتحدة قانون "مكافحة أعداء أميركا" من خلال العقوبات (CAATSA) المقرّ منذ عام 2017، ويفوّض الحكومة الأميركية فرض عقوبات اقتصادية وسياسية على أي دولةٍ تبرم صفقات دفاعية مع روسيا أو إيران أو كوريا الشمالية.
ذكرت وسائل الإعلام الهندية في 15 يوليو/ تموز 2022، أن الكونغرس الأميركي أوصى بإعفاء الهند من العقوبات (بموجب قانون مكافحة أعداء أميركا) على شراء نظام الدفاع الجوي الروسي إس - 400. وكتبت صحيفة إنديا تايمز اليومية "إن اقتراح التنازل الذي قدّمه مجلس النواب بالكونغرس، يهدف إلى تعزيز العلاقات الدفاعية بين الولايات المتحدة والهند".
تسعى الولايات المتحدة لتكون حليفا قويا للهند في مجالات التعاون الدفاعي والأمني، ما قد يوفر فرصا وبدائل للهند في المستقبل البعيد على الأقل. ووفقاً لتقرير معهد استوكهولم لبحوث السلام الدولي الصادر في مارس/ آذار 2022، فإن الصادرات الدفاعية الأميركية إلى الهند آخذة في الازدياد بين عامي 2017 – 2021، وبذلك تعد الولايات المتحدة ثالث أكبر مورّدي أسلحة الدفاع للهند، بنسبة 12% من حصة السوق.
رابعاً، يشكل التقارب الروسي الصيني، في ظل الأزمة الأوكرانية واحتمال تطور تعاون استراتيجي بين البلدين قد يصل إلى حد تحالفٍ في منطقة آسيا مقابل تطور العلاقات الهندية الأميركية، تحدّيا أمام الهند.
شكّلت الأزمة "فرصة" أمام تطور العلاقات الهندية الروسية، وفرصة محتملة أمام الهند لتكون الولايات المتحدة "حليفا بديلا" وليس شريكا فقط
زار الزعيم الروسي فلاديمير بوتين الصين لحضور حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في 4 فبراير/ شباط قبل 20 يوماً من بدء الحرب في أوكرانيا. وجاء في بيان مشترك صدر بعد الزيارة أنه "لا حدود للتعاون بين البلدين". كما قرّر الجانبان مقاومة "محاولات القوى الخارجية لتقويض الأمن والاستقرار في المناطق المتاخمة المشتركة بينهما، أي تايوان وأوكرانيا"، وهو ما أوضح ملامح العلاقة المقبلة بين البلدين.
و"أبلغت واشنطن حلفاءها بأن الصين أشارت إلى انفتاحها على تقديم الدعم العسكري لروسيا في حربها على أوكرانيا"، وفقاً لصحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية في 15 مارس/ آذار 2022. تعقيباً على ذلك، نفى الكرملين طلب مساعدات عسكرية من الصين، وأكّدت الصين عبر سفارتها في واشنطن أنها "وسيط" في أوكرانيا. وأشارت "سي أن أن" إلى أن من بين المساعدات التي طلبتها روسيا "وجبات طعام جاهزة للأكل". وعلى الجانب الاقتصادي، "أظهرت بيانات جمركية أن الصين انفقت 18.9 مليار دولار على واردات النفط والغاز والفحم القادمة من روسيا حتى نهاية شهر مايو/ أيار، ما قد يؤثّر على نظام العقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة على روسيا.
الحاجة إلى حليف استراتيجي
يبقى السؤال المحيّر أمام صنّاع السياسة الخارجية الهندية هل سيكون هناك تحالف استراتيجي اللحظة بين موسكو وبكين؟ ربما هناك اعتبارات استراتيجية لدى بكين لتفسير مثل هذه الخطوة، أهمها العلاقات الوثيقة بين موسكو ونيودلهي. .. مع الإشارة إلى أن التقارب الهندي الأميركي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ ارتبط بما في ذلك، من بين أمور أخرى، بمحاولة مواجهة النفوذ الصيني أو موازنته. ويشكل ذلك "اعتبارا استراتيجيا" حيويا ومهما بين الهند والولايات المتحدة. لكن هذا التقارب لا يمتدّ إلى كيفية تعامل الجانبين مع روسيا. وتعتبر "مسألة الصين" أولوية في السياسة الخارجية الهندية في علاقتها مع روسيا باعتبارها ذات تأثير معتدل على الصين، ومع الولايات المتحدة شريكا موازيا أمام الصين. وتضع الأزمة الأوكرانية نيودلهي أمام خيارات إعادة التفكير في علاقتها مع موسكو، إذ اتجهت الأخيرة إلى بناء علاقاتٍ أوثق مع بكين.
إذا فقدت الهند حليفها الاستراتيجي الروسي القديم، من دون مطابقة علاقتها مع شريكها الأميركي الجديد، فإن استراتيجيتها "سياسة التوازن" عبر تحالفها مع كُلٍ من موسكو وواشنطن لمواجهة الصين سوف تتعرض لتحدي صعب.
تعتبر "مسألة الصين" أولوية في السياسة الخارجية الهندية في علاقتها مع روسيا باعتبارها ذات تأثير معتدل على الصين
ختاماً، كشفت "الأزمة الروسية الأوكرانية" حدود (وطبيعة) العلاقة التي تجمع الهند مع حليفها الروسي من جهة، ومع شريكها الأميركي من جهة أخرى؛ إذ شكّلت الأزمة "فرصة" أمام تطور العلاقات الهندية الروسية، وفرصة محتملة أمام الهند لتكون الولايات المتحدة "حليفا بديلا" وليس شريكا فقط في علاقتها مع نيودلهي.
في الواقع، تحتاج الهند إلى دعم خارجي لمواجهة النفوذ المتنامي للصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ؛ وهو ما يدفعها إلى تقارب أوثق مع واشنطن عبر "تحالف كواد". لكن روسيا حليف موثوق به في الأمم المتحدة بالنسبة للهند؛ فهي الدولة الوحيدة بين الدول الخمس الدائمة في مجلس الأمن التي تقدّم دعماً دبلوماسياً وسياسياً لنيودلهي. كما أن العلاقات الدفاعية أثبتت جدواها بين الهند وروسيا؛ وتقدّم موسكو دعماً عسكرياً لم توفره الدول الأخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة التي تبدو متردّدة في تقديم ما تحتاجه نيودلهي عسكرياً. وفي مجال الطاقة والاقتصاد، تلقت الهند نفطاً روسياً بأسعار رخيصة، يصعب مقاومتها. وعليه، تتميز العلاقات الهندية الروسية "بطابع خاص" عن علاقة الهند بأميركا.
ربما سيغير "الغزو الروسي لأوكرانيا" ملامح العلاقات الصينية الروسية، وهذا سيؤثر على الاعتبارات الاستراتيجية في علاقة نيودلهي مع موسكو، إلا أنّه من المستبعد أن ترى الهند الولايات المتحدة "حليفاً بديلاً" على الأقل على المدى القصير للحليف الروسي. ويصعب أنّ تعرّض الهند نفسها لخطر إيجاد عدو ثالث في منطقة آسيا، بعد الصين وباكستان. مع الإشارة إلى أهمية الهدف المشترك بين الثلاثي الأوراسي (روسيا، والصين والهند)، وهو رفض الهيمنة الأميركية، والاتجاه إلى "نظام متعدّد الأقطاب".