انتخابات فنزويلا... الاستمرارية أو التغيير
مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات الرئاسية الفنزويلية في 28 يوليو/ تمّوز الجاري، ومع وجود عشرة مرشّحين نالوا دعم أكثر من 30 حزباً سياسياً، يبدو أنّ الحزب الاشتراكي المُوحّد الذي يتزعّمه الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو سيواجه، لأول مرّة منذ أكثر من 25 عاماً، تحدّياً جادّاً في الانتخابات الرئاسية، عقب توحّد المعارضة الفنزويلية وإعادة تنظيم صفوفها للدخول في هذه الانتخابات بمُرشّح مُشترك، هو إدموندو غونزاليس أوروتيا، بدلاً من زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو، التي قضت المحكمة بعدم أهليتها للترشّح بعدما فازت في الانتخابات التمهيدية للمعارضة الفنزويلية في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بحوالي 92% من الأصوات.
تُظهر القراءة الأولية للمشهد الانتخابي الحالي مشاركةَ ثلاثة ائتلافات حزبية عريضة في هذه الانتخابات، يتقدّمها ائتلاف القطب الوطني الكبير (البوليفاري التشافيزي)، الذي يضمّ الحزب الاشتراكي المُوحّد (الحاكم)، إلى جانب ثمانية أحزاب أخرى، وائتلاف أحزاب المعارضة "المنصّة الوحدوية" (الليبرالي المعارض للتشافيزية)، الذي يضمّ حزب العمل الديمقراطي إلى جانب تسعة أحزاب أخرى، تراوح بين أحزاب الوسط واليمين، وائتلاف البديل الثوري الشعبي (البوليفاري التشافيزي)، الذي يضمّ الحزب الشيوعي الفنزويلي إلى جانب عشرة أحزاب أخرى، إذ يتصدّر كلّ من الرئيس نيكولاس مادورو ومرشّح المعارضة إدموندو غونزالس أوروتيا، الذي يخوض الانتخابات تحت شعار "الرئيس للجميع"، ويُركّز في خطاباته على المصالحة واللباقة لحلّ عقود من الصراع والاستقطاب، هذا المشهد الانتخابي من خلال تبنّي مادورو شعارات اشتراكية تشافيزية (السياسات الاشتراكية لتشافيز وخليفته مادورو)، معادية للغرب، وتبنّي غونزاليس شعارات يمينية معادية للتشافيزية.
ففي ظلّ هذا المشهد الذي بدت معالمه أكثر وضوحاً واستقطاباً، يعتبر محللون ومتابعون للشأن الفنزويلي هذه الانتخابات من أكثر الانتخابات الفنزويلية أهمّيةً، نظراً إلى الآمال الكثيرة المعقودة عليها داخلياً وخارجياً، ويعدّونها اختباراً حاسماً للديمقراطية في فنزويلاً، فهي، من جهة، تُعدّ فرصة لاستعادة شرعية النظام السياسي الذي يقوده مادورو منذ عام 2013 خلفاً للرئيس الراحل هوغو تشافيز، لذلك يعتبرونها فرصةً لإعادة تعزيز المبادئ الديمقراطية في فنزويلا بعد سنوات من التراجع في المؤسّسات الديمقراطية تحت حكم مادورو، الذي يسعى إلى ولاية رئاسية ثالثة مدّتها ستّ سنوات.
ومن جهة أخرى، تُعدّ وسيلة محتملة للتغيير السياسي الذي قد يقود إلى تعافي الاقتصاد الوطني المتهالك باتباع سياسات اقتصادية أكثر فعالية، خصوصاً أنّ الأزمة الاقتصادية الحادّة التي تعصف بفنزويلا منذ سنوات طويلة وصلت إلى مرحلة حرجة جدّاً بعدما تسبّبت بنزوح أكثر من سبعة ملايين فنزويلي إلى خارج البلاد، وارتفاع نسب التضخّم والبطالة والفقر إلى أرقام قياسية، وهذا ما تُركّز عليه المعارضة في حملتها الانتخابية، والتي تسعى من خلالها إلى استغلال الاستياء الشعبي الواسع ضدّ نظام مادورو لتحقيق الفوز في الانتخابات.
تُعدّ الانتخابات الرئاسية وسيلة لإعادة تشكيل العلاقات الدبلوماسية لفنزويلا مع دول الجوار بعد توتّرها أخيراً
ومن جهة ثالثة، تُعدّ هذه الانتخابات وسيلة لإعادة تشكيل العلاقات الدبلوماسية لفنزويلا مع دول الجوار بعد توتّرها في السنوات الأخيرة، ولا سيّما مع الولايات المتّحدة والأرجنتين وكولومبيا والبرازيل، والتي عكست تأثير الأزمة الفنزويلية في الأوضاع الإقليمية ككلّ. لذلك، لا ينظر مُحلّلون ومتابعون إلى هذه الانتخابات باعتبارها عملية انتخابية عادية، أو مُجرّد سباق سياسي، وإنّما باعتبارها مواجهة بين رؤى متناقضة لمستقبل البلاد، ويعدّونها لحظة حاسمة يمكن أن تحدّد مستقبل فنزويلا عقوداً، داخلياً وخارجياً، فهذا الاستقطاب السياسي الحادّ يعكس تبايناً عميقاً في الأفكار بشأن كيفية إدارة فنزويلا وحلّ أزماتها السياسية والاقتصادية والمعيشية والاجتماعية.
في المجمل، يبقى القول الفصل لحوالي 21 مليون ناخب فنزويلي في الداخل، وقرابة مائة ألف ناخب فنزويلي من أصل نحو أربعة ملايين ناخب يعيشون في الخارج، لقول كلمتهم النهائية، فإمّا الإبقاء على التشافيزية والبرنامج الاشتراكي الذي وضعه هوغو تشافيز وحزبه الحاكم منذ أكثر من 25 عاماً، أو التخلّي عنها لصالح سياسات أكثر تحرّرية وانفتاحاً، والانتقال بالتالي إلى أوضاع سياسية واقتصادية جديدة، وخصوصاً من الفقراء والمهمّشين الذين يُشكّلون النسبة الأكبر من الناخبين المتأثّرين بالأوضاع الاقتصادية والمعيشية الحالية، والذين يبحثون عن تغييرات جذرية تُنهي ما يعانون منه.