انتصار الديمقراطية... إحياء ذكرى 15 يوليو
بينما نحتفل اليوم بالذكرى الثامنة ليوم الديموقراطية والوحدة الوطنية في 15 يوليو/ تمّوز، نحتفل مرّة أخرى بفخر كبير بالمقاومة، وبالتلاحم الفريد الذي أبدته ملَّتُنا. إن إحياء هذا اليوم التاريخي ليس مُجرّد إحياءٍ لذكرى ما حدث في الماضي، بل هو كذلك تعزيز لالتزامنا بالديمقراطية، وبوحدتنا الوطنية، وبتصميمنا على حماية استقلالنا.
لقد أظهرت محاولة الانقلاب الغادرة التي نفّذتها منظّمة فيتو الإرهابية (FETÖ ليست منظّمة إرهابية فحسب، بل هي أيضاً منظّمةَ تجسّس بصبغة دينية بقيادة فتح الله غولن) في ليلة 15 يوليو/ تموز 2016، للعالم أجمع، مدى قوّة إيمان الشعب التركي بالديمقراطية والحرّية. فهذه المنظّمة الإرهابية، التي دبّرت محاولة الانقلاب المُشينة في تركيا، تستغل القيمَ العالمية لأغراض شخصية، وتُشكِّل تهديداً جوهرياً وخطراً على جميع المجتمعات.
لقد وقف شعبنا في وجه الخونة بإخلاصه للديمقراطية والوطن. وإنّنا نتذكّر الليلة بالترحّم على مواطنينا الذين تخطّى عددهم 250 شهيداً، وهناك أكثر من 2000 مصاب، ونعرب عن امتناننا لأبطالنا الذين أسقطوا المحاولة. لقد أخفق الهجوم الذي نفّذته طغمةٌ خارجةٌ عن التسلسل القيادي في القوّات المُسلّحة التركية، على حكومتنا الشرعية وديمقراطيتنا، وذلك بفضل المقاومة الحازمة لأمتنا. لبّى شعبُنا دعوةَ رئيسِنا، ونزل إلى الميادين، ووقف أمام الدبّابات. إنّ هذه المقاومة الملحمية هي المُؤشّر الأكثر وضوحاً على تصميمنا على حماية ديمقراطيتنا.
حقيقة تقديم المُجرمين الذين تورّطوا في محاولة الانقلاب وبعدها، للمثول أمام العدالة، من دون إراقة دماء أيّ جندي أو مدني، تثبت مرّة أخرى أنّ الجمهورية التركية هي دولة قانون. فاتّخذت مؤسّسات الدولة إجراءات سريعة تحت قيادة فخامة الرئيس رجب طيّب أردوغان، وحيَّدت الخونة، وتمكّنت من ضمان محاسبة جميع العناصر التي تحاول الإضرار بديمقراطيتنا أمام العدالة. وشعبنا بدوره أصبح قدوة لشعوب العالم من خلال إظهار التزامه بالديمقراطية، وتمسّكه بحُبّ الوطن في ظلّ أصعب الظروف.
لبّى شعبُنا في 15 يوليو دعوةَ رئيسِنا ونزل إلى الميادين ووقف أمام الدبّابات. هذه المقاومة الملحمية هي المُؤشّر الأكثر وضوحاً على تصميمنا على حماية ديمقراطيتنا
وفي السنوات الثماني التي تلت محاولة الانقلاب، حقّقت تركيا تقدّماً كبيراً في المجالين الاقتصادي والصناعي. إنّ زيادة معدّل إنتاجنا المحلّي والوطني، خاصّة في صناعتنا الدفاعية، هو ضمان استقلالنا وأمننا القومي. ويأتي إنتاج "TOGG"، لتكون أول سيارة كهربائية محلّية بين أيدي الناس في تركيا، وتضاف إلى مشاريع "TCG ANADOLU" (في السفن البرمائية)، وإلى "KAAN" (في الصناعات الجوية)، التي تُعزّز إيماننا بالثقة والاستقرار في منطقتنا. وهذه المشاريع ستستمرّ وتساهم مساهمة كبيرة في استقلال تركيا الاقتصادي، وتعمل على زيادة قدرتنا الإنتاجية المحلّية والوطنية، وبذلك، نلبّي احتياجات السوق المحلّية، ونصبح قادرين على المنافسة في الأسواق الخارجية. حقّقت شركاتنا من أمثال بيرقدار (BAYRAK)، وروكتسان (ROKESTAN)، وأصلسان (ASELSAN)، التي نمت تحت رئاسة الصناعات الدفاعية، نجاحاً كبيراً في السوق الدولية. عادت تركيا لتشهد تدفّقاً للسياح من بقاع العالم كلّها، حيث كانت، وستظلّ، وجهتهم المفضّلة، خاصّة مع حرص القيادة التركية على التصدّي للحالات الفردية التي تسعى لتشويه صورة البلاد، وتستهدف ضرب علاقات تركيا مع إخوانها العرب الذين تربطنا بهم علاقات الدين والتاريخ والمصير المشترك، وتكشف الأرقام الرسمية أنّ عدد السائحين الذين زاروا تركيا خلال الأشهر الخمسة الأولى من 2024، نحو 18 مليون سائح.
بالإضافة إلى ذلك، تعمل تركيا على زيادة علاقاتها التجارية والثقافية مع دول المنطقة يوماً بعد يوم. ومن شأن اتفاقية "مُذكّرة التفاهم للتعاون المشترك بشأن مشروع مسار التنمية"، الموقّعة بين تركيا والعراق وقطر والإمارات العربية المتّحدة، أن تعزّز التعاون الإقليمي من خلال ربط الخليج العربي بأوروبا، عن طريق السكك الحديد. ويُعزّز هذا المشروع دور تركيا الإقليمي الريادي من خلال زيادة التكامل والتعاون الاقتصادي في المنطقة.
كذلك، واصلت الجمهورية التركية بعد 15 يوليو/ تموز (2016) سياستها الدبلوماسية النشطة في الساحة الدولية، بقيادة فخامة رئيس الجمهورية، ومعالي وزير الخارجية، وعزّزنا علاقاتنا الدبلوماسية مع العديد من البلدان، ووقّعنا اتفاقيات تعاون جديدة. ولا تَخفَى أهمّية علاقاتنا مع دولة قطر ودول المنطقة، ولا ننسى هنا اتصال أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني برئيسنا ليلة 15 يوليو، والتعبير عن دعمه وتأكيده لروابط الأخوّة بين البلدين.
اليوم، بينما نحتفل بذكرى 15 يوليو، يتعزز أملنا في المستقبل وثقتنا به. ففي الفترة التي تلت محاولة الانقلاب المشؤومة، عزّزت تركيا ديمقراطيتها، وأعادت هيكلة مؤسّساتها. وإيمان أمتنا وتمسّكها بالديموقراطية في هذه العملية، عزّزا من آمالنا بمستقبل بلدنا. إنّ تصميمنا على تسليم تركيا قويّةً مستقلّةً ومُجهَّزةً بالقيم الديمقراطية لأجيالنا القادمة، يتزايد يوماً بعد يوم. إنّ 15 يوليو، لم يكن مُجرّد إحباط محاولة انقلاب، بل كان أيضاً انتصاراً لديمقراطيتنا وحرّيتنا ووحدتنا الوطنية. وهذا النصر مثال ساطع جديد على نضال أمتنا من أجل الاستقلال والسيادة.
ثقتنا بشعبنا وتصميمنا على حماية استقلالنا سيظلّان يُنيران طريقنا في المستقبل. أسأل الله الرحمة لشهدائنا الذين فقدوا أرواحهم ليلة 15 يوليو، وأعرب عن الشكر والامتنان لأبطالنا المحاربين، وأشكر كلَّ فردٍ من أمّتنا على شجاعته وتضحياته. سنواصل العمل معاً من أجل تركيا أقوى وأكثر ازدهاراً.