بروتوكولات حكماء صفقة القرن
الأطراف التي تخوض هذه الحرب القذرة ضد قطر، هي نفسها التي خاضت الحرب ضد حزام الثورات العربية في مصر وسورية وليبيا واليمن، من دون تغيير في الأسلوب، مع تصاعد أسطوريٍّ في الوقاحة، فبدلاً من التحريف والتلفيق، صارت الآلية هي تصنيع الكذبة في معامل شريرة، وإلصاقها بالخصوم المستهدفين.
وفي الطريق إلى تثبيت الكذبة، يتم أولاً إغلاق كل النوافذ التي يمكن أن تطلّ منها أشعة الحقيقة، فيكون التوسع في قتل كل المنابر الإعلامية التي يمكن أن ترد على شلال الأكاذيب، أو تعرض الحقيقة، أو حتى تقدّم الرواية الأخرى، كما جرى مع حملات المصادرة والمنع المسعورة ضد وسائل الإعلام التي لا تسير في ركاب جحافل الكذابين والملفقين، في العواصم التي تحالفت للإجهاز على ما بقي يعافر ضد السقوط الكامل في مشروعٍ رسم خطوطَه خصوم التغيير الديمقراطي وأعداء التحرر العربي، من الاحتلال والاستبداد، على السواء.
في اليوم نفسه الذي انطلقت فيه معركة الدعاية السوداء ضد قطر، كانت المعركة ذاتها تدور في القاهرة، بحبس المحامي خالد علي الذي حصل على الحكم التاريخي بوقف التنازل عن أراضٍ مصرية، على ذمة اتهامه بإشارة بأصابعه، جرى تلفيقها وفبركتها في ورش الكذب الصغيرة.
قد تكون الحالتان مختلفتين، ظاهرياً. لكن، بقليلٍ من التدقيق ستجد الفاعل واحداً، فأن تصنع كذبةً من خلال اختراق وكالة أنباء، وتضع فيها ما تشاء من أكاذيب وتلفيقات، على لسان الخصم المستهدف، ثم تعلّق مشانق الكذب الأجير لإدانته، لا يختلف كثيراً عن التقاط صورة عادية لسياسيٍّ يحتفل بحكم تاريخي، ثم تدخل عليها ما تريد من تزييف وتلفيق، ثم تحاكمه بتهمة الفعل الفاضح.
حدث هذا في مصر، قبل خمس سنوات، في إطار حرب الدعاية المجنونة ضد الرئيس محمد مرسي لإسقاطه، حين كانت الأكاذيب تأتي بالطائرات، مغلفة وساخنة، من عواصم القبح، وتقدّم متبلةً إلى المتلقي الذي اختطفوه وحبسوه في سجن الرواية الواحدة الكذوب، على إيقاع ما أسميتها "رقصة انتحار مهنى وأخلاقى، جعلتها تعتنق عقيدة فاسدة جديدة، تقوم على إباحة الكذب واستحلال التزييف، باعتبارهما سلاحين فى حرب لإسقاط النظام، وإبادة فصيل سياسى واجتثاثه من التربة المصرية".
الآن يستهدفون قطر لأنها لا تزال الأكثر احتراماً لحق المواطن العربي في مقاومة احتلاله ودفاعه عن ربيعه الحالم بالانعتاق من الطغيان والاستبداد والانسحاق الحضاري الكامل، تحت أقدام التتار الجدد.. جريمة قطر أنها لا تطيع بروتوكولات حكماء صفقة القرن، فتدعم المقاومة الفلسطينية والثورة السورية، ولا تساعد الطغاة في طحن عظام شعوبهم.
ويستهدفون خالد علي في مصر لأنه لا يزال يتذكر ثورة يناير، ويردد شعاراتها، ويقف أمام إرادة شريرة للنظام، للتفريط في الأرض، سداداً لفواتير صناعة انقلابه ووضعه على سدة حكم مصر.
وأكرر أنه من دون أن تكون مجنحاً في الخيال، أو محلقاً في أجواء نظرية المؤامرة، يمكنك أن تلمس ما يشبه الحركة المنظمة لمعسكر الثورة المضادة، بامتداد خارطة الوطن العربي. ولن تغادر شاطئ الحقيقة، إذا اعتبرت أن الذين قرروا مناصبة تاريخ وجغرافيا أمتهم العداء، صار لهم تنظيم دولي، فالذين انقضّوا على ثورات الربيع العربي، انطلاقاً من وضع "ستيكر الأخونة" فوقها، يسلكون وكأن هناك إطاراً تنظيمياً عالمياً، يجمعهم ويحدد لهم خطواتهم، ويقدم لهم الدعم الكامل بانتظام.
دقق جيداً، ستجد خيطاً ينتظم حركة هذه الأنشطة، إنْ على مستوى المنطلقات والآليات، أو على صعيد الرعاة الدوليين والإقليميين. الأكاذيب ذاتها عن العبث بالمكون الحضاري للأمة، والكليشيهات المحفوظة عن تغيير هوية الوطن، وتحريم الفن وتجريم الإبداع ومصادرة الحريات، وحبس المرأة داخل النقاب، والتفزيع والترويع من "غول الإسلام السياسي" تجدها تتقافز فوق شاشات التلفاز، وعلى صفحات الجرائد الصفراء والحمراء، وكأن شخصاً واحداً، أو جهة محددة، تولت وضع القصة والسيناريو والحوار، وتقوم بإخراج هذا المسلسل، من دون أن تكلف نفسها تغيير الديكور المصاحب للتنفيذ بتغير المكان.