16 نوفمبر 2024
بعد لقاء الدوحة الفلسطيني
يبعث اللقاء الذي عُقد، بجهدٍ قطريٍّ محمود، بين الرئيس محمود عباس وقائدي حركة حماس، خالد مشعل وإسماعيل هنية، بحد ذاته، على الارتياح، طالما أنه على هذه السوّية، وإذ استضافه وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في منزله، فذلك يؤكد أن الأمل لدى الدوحة لم ينعدم بإنجاز مصالحة نهائية وحاسمة بين حركتي فتح وحماس، تنهي الانقسام المخزي، والذي لا ينبغي الضجر من نعته، دائماً وفي كل مطرح، بأنه عارٌ فلسطيني فادح. ومعلوم أن العاصمة القطرية استضافت لقاءات بين الطرفين بلا عدد من أجل هذا الهدف. ومع تثمين انعقاد هذا اللقاء، وما صدر بعده، عن الرئاسة الفلسطينية من تأكيدٍ على وجوب إزالة أسباب الانقسام، وعن "حماس" من تأكيدٍ على الشراكة الوطنية، يبقى السؤال الأهم، عمّا إذا كان الحال الفلسطيني سيشهد انعطافةً جوهريةً في هذا الملف المملّ بعد هذا اللقاء، فيصير ما بعده غير ما قبله، أم إنه ما تمّ إلا مجاملةً لدولة قطر، وليكون مناسبةً جديدةً لاستدعاء العبارات الإنشائية المعهودة من بين كثيرٍ يماثلها يتوفر في أرشيف اتفاقات المصالحة الفلسطينية ولقاءاتها ومداولاتها، منذ اتفاق مكة المكرمة البعيد واتفاقات القاهرة المهجورة مروراً باتفاق الدوحة المتروك وصولاً إلى اتفاق الشاطئ المهمل، وما بعد هذه كلها، وغيرها، من تفاهماتٍ في اجتماعاتٍ تكرّرت من غير أن ينجم عنها شيء. ولا تطالب الاعتصامات والمسيرات الأهلية التي انتظمت غير مرة، في الضفة الغربية وقطاع غزة، بغير إنفاذ تلك الاتفاقات والتفاهمات.
أسوأ ما يُقال، في هذا الملف، إن تأثيراتٍ إقليميةً لها فعلها عليه، ويؤتى بالقاهرة مثالاً، وهذا الأمر وحده سببٌ لكي يأنف الواحد منا من كل الطبقة السياسية الفلسطينية، وفي أي مطرحٍ ومن أي فصيل. ببساطةٍ، لأن ارتهان الإرادة الفلسطينية لمزاج هذه العاصمة العربية أو تلك كفيلٌ بتخريب أي توجهٍ وطنيٍّ فلسطيني حقيقي. وبشأن مصر الراهنة، وحده العقل الراجح يخبرنا إن من المستحيل انتظار مردودٍ يمكن التعويل عليه منها، وهي التي تتجرّأ محاكمُ فيها برمي حركة حماس بالإرهاب. وليس مقصد هذا القول الانكفاء عن أي جهدٍ طيبٍ يدفع باتجاه تدعيم الوحدة الفلسطينية، وتيسير سبل التوجه إلى إنجازها. ولا تزلّف في الزعم، هنا، إن الدبلوماسية القطرية اجتهدت كثيراً في هذا الأمر، وما تزال على ثباتها في إسناد ما يمكن أن يحلّ المستعصي من عقبات. وإذ جاءت الأخبار، أخيراً، على مساهمة قطرية متقدّمة في إنهاء عقدة وضع موظفي قطاع غزة الذين عيّنتهم حكومة "حماس" (50 ألفاً)، فإن الأدعى أن يدفع ذلك إلى إنفاذ إجراءاتٍ عملية أخرى يمضي فيها قطار المصالحة المتوقف (أو الموقوف على الأصح)، على سكته. أما إذا كان غرض الرئيس محمود عباس من نوبة الحميمية الضافية في لقائه مشعل وهنية، وفي الإسراع، قبل غيره، بنشر خبر اللقاء مصوّراً، أن يبعث رسائل إلى عواصم عربية، تضايقه بإلحاحها على مصالحةٍ تطالبه بها مع المطرود من حركة فتح، محمد دحلان، فإن جرعةً ثقيلةً من الإحباط واليأس يكون فخامته قد جاد بها على مواطنيه الفلسطينيين، المصابين أصلاً بمنسوبٍ فائضٍ من عدم الاكتراث بقصة المصالحة كلها، وخراريف اجتماعاتها، وبأن نبيل شعث صار بديلاً لعزام الأحمد في مداولاتها.
أما وأن الانقسام الجغرافي والسياسي الحادث بين قطاع غزة، حيث "حماس" قوةٌ غالبةٌ ومسيطرةٌ أمنياً، والضفة الغربية، حيث السلطة الوطنية بشرطتها وأجهزتها ماثلةٌ، يمضي إلى سنته العاشرة باطمئنان، فذلك لا يعني أن إنهاء هذا الحال يحتاج معجزةً، وأن التسليم بهذا الواقع، وتفاصيله التي استقرّت وتجذرت، أدعى إلى الأخذ به، وإنما يعني أن جهداً كفاحياً وصبوراً ومثابراً لا يحسُن أن يملّ منه الجسم المدني والفاعليات الأهلية في الإلحاح على الخروج من هذا القاع المريع الذي ورّطت حركتا حماس وفتح الشعب الفلسطيني فيه. والمأمول أن توفر جلسة مشعل وهنية مع عباس وصائب عريقات في منزل وزير الخارجية القطري مزاجاً أطيب في هذا العمل، لعل وعسى...