بمناسبة بادرة إيما واتسون
ثلاثة سطور للناشطة البريطانية الأسترالية، سارة أحمد (52 عاما)، عن معنى التضامن الذي يعني الالتزام، تعليقا على صورةٍ مرفقةٍ لمتظاهرين متضامنين مع فلسطين وشعبها، أعادت الممثلة الأميركية، إيما واتسون (22 عاما)، نشر التعليق والصورة في حسابها في "إنستغرام" (يتابعه 63.3 مليونا)، فضجّت إسرائيل، من خلال غير مسؤول فيها، رمى أحدهم النجمة الشهيرة في دور ساحرة مسلسل "هاري بوتر" بالعداء للسامية، وتبجّح، في تغريدةٍ، بأنه مع السحر إذا كان يقضي على "شرور حماس" التي تضطهد النساء، وعلى السلطة الفلسطينية التي "تدعم الإرهاب". لكن هذا التخريف، وكذا الحملة العدوانية ضد إيما واتسون، قوبلا بتضامنٍ واسعٍ معها، أعلنه نجومٌ ومشاهير في بيان نشرته صحيفة الغارديان، كما أحرز المنشور نفسه (المُعاد) أكثر من مليون ومائة ألف إعجاب، تأييدا لمضمونه. وجاء، تاليا، مقال للكاتبة هارييت ويليامسون، في "الإندبندنت" يشكر إيما واتسون، ويرفض الخلط بين اليهودية (وشعبها) وإسرائيل (وسياسات حكوماتها)، ويؤكد أن معاناة الشعب الفلسطيني جرّاء الاحتلال "ليست موضوعا للنقاش بل حقيقة".
إنها، إذن، ثقافة الانتصار لفلسطين وقضية شعبها ومناهضة السياسات الإسرائيلية تزداد شيوعا بين نخبٍ وازنةٍ من مشاهير المثقفين والفنانين في أوروبا والولايات المتحدة. إذ يذكّر الموقف الأخلاقي الذي بادرت إليه نجمة "هاري بوتر" بمواقف كثيرةٍ معلنةٍ جهر بها نجوم كبار، بينهم يهود، لهم جماهيريتهم بين الملايين في العالم، فليست منسيةً مقاطعة المخرج وودي ألن (96 عاما) والنجمة جين فوندا (85 عاما)، في 2018، حفل توزيع جوائز "نوبل اليهودي" في إسرائيل، والتي تقدّم لشخصياتٍ يهوديةٍ متميّزة، والتحقت بهم الممثلة الأميركية (تحمل الجنسية الإسرائيلية)، ناتالي بورتمان (40 عاما) التي رفضت تسلّم جائزة لها في الحفل قيمتها مليون دولار، موضحةً، في الوقت نفسه، أنها ليست مع الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل، وإنما "سوء معاملة من يعانون من فظائع اليوم" لا يتماشى مع قيمها اليهودية. وكان كاريكاتيريا حزن وزيرة الثقافة الإسرائيلية في حينه، ميري ريغيف، لسقوط بارتمان "كثمرة ناضجة في يد مؤيدي المقاطعة". أما جين فوندا ففي أرشيفها الحسن أنها زارت في العام 2002 مخيم قلنديا للاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية، والتقت عائلةً فلسطينيةً فقدت ولدين في اعتداءات إسرائيلية، وشاركت في مظاهرة ضد الاحتلال، ووقفت مع متظاهرين أمام منزل شارون في القدس المحتلة.
كيف يمكن البناء عربيا على مواقف تقدّميةٍ كهذه، في فضاءاتٍ ثقافيةٍ وفنيةٍ عالمية، في بيئات وأوساط تنشط فيها الدعائيات الصهيونية ضد الفلسطينيين والعرب؟ ما هي الوسائل العملية والمؤثرة إعلاميا من أجل تعزيز السردية الفلسطينية القائمة على العدالة والحق، ولتهشيم الأزعومة التي تعمل لوبياتٌ صهيونيةٌ على نشرها عن استهداف الفلسطينيين اليهود بوصفهم يهودا؟ تحتاج الإجابة عن أسئلةٍ كهذين إلى استراتيجيات عملٍ مبدعة، تستثمر الإمكانات الهائلة التي توفرها وسائل التواصل الاجتماعي والمنصّات الرقمية، وإقامة شبكات اتصالٍ وتواصلٍ خلاقة مع التمثيلات المدنية، والأوساط الأكاديمية والفنية والإعلامية والثقافية. والمؤكّد أن من يبادر إلى إنجاز متطلباتٍ كهذه ليس سفارات دولة فلسطين ومكاتب منظمة التحرير البائسة، العديمة النفع والفاعلية في حالاتٍ غير قليلة، وليست السفارات العربية المنشغلة بمكايدات بعضها بعضا، غالبا، والتي ينشط كثير منها في إقامة الصلات مع لوبياتٍ صهونية، بغرض إنجاز مصالح عابرة، أو في محاولاتٍ لتبييض السمعة في غير ملف. الرهان على الشباب العربي النشط في الجاليات العربية والمسلمة في أوروبا وأميركا (وآسيا بالمناسبة)، والطلاب والطالبات، وأصحاب الأعمال هناك، وهم أدرى بالكيفيات التي في وُسعهم أن يهتدوا بها لتبقى صيحة إيما واتسون حية، وكذا مواقف شجاعة لغيرها يبادر إليها نجومٌ وأسماء لديها الحسّ الإنساني والأخلاقي الرفيع، القائم على مناهضة الظلم والعدوان في أي مكان.
ما بادرت إليه إيما واتسون موصولٌ بنبلٍ عميق، غير منسيٍّ منذ عقود، اتّصفت به النجمة البريطانية فانيسيا ردغريف والمسرحي الفرنسي جان جينيه، ومواطنه الفيلسوف إيتيان باليبار، والشاعر اليوناني يانتيس ريتسوس، ومواطناه السينمائي يورغوس كاريبيدس والموسيقي ميكيس ثيودوراكيس، والروائي الإسباني خوان غويتسولو، والبرتغالي خوسيه ساماراغو، وكثيرون آخرون. .. شكرا إيما واتسون.