بيومي فؤاد... عندما تتقيّح الجروح
يرى قطاع من المصريين في السجال بشأن أزمة الممثلين محمّد سلام وبيومي فؤاد ملهاة جديدة مقصودة لتخفيف انشغال الرأي العام المصري وتعاطفه مع الأحداث المأساوية الجارية في غزّة. بعد أن زاد الاهتمام على وسائط التواصل بالخلاف بين الاثنيْن، على خلفية انتقاد بيومي فؤاد امتناع سلام عن المشاركة في عرض مسرحي في موسم الرياض الترفيهي.
ربما هؤلاء مُحقون في الغضب والاستخفاف بخلافٍ بين ممثليْن، أو حتى الارتياب في حقيقته، فقد شن كثيرون من رواد وسائل التواصل الاجتماعي هجوماً حادّاً على الممثل بيومي فؤاد بسبب سخريته من زميله محمد سلام، ثم المبالغة في ممالأة "موسم الرياض" والقائمين عليه وامتداحهم، ما استفزّ قطاعات واسعة من المصريين العاديين، فضلاً عن المتابعين والمهتمين بالمجال الفني.
في هذه اللحظة، تجاوز الخلاف حدود موقف شخصي وفردي من ممثّلٍ رفض المشاركة في عرض مسرحي لأسباب معيّنة، واعتراض ممثل آخر على ذلك لعدم قناعته بتلك الأسباب. يتعلق الأمر، هذه المرّة، بوضع إنساني غير مسبوق، يخاطب جوهر إنسانية البشر. أي يتعلق مباشرة بمنظومة القيم والأخلاق الحاكمة لكل إنسان في حياته. وكان للمصريين، في السابق، موقف مشابه ضد بعض المثقفين مؤيّدي التطبيع مع إسرائيل، الذين سقطوا واحداً تلو الآخر من قائمة الاحترام والتقدير لدى الرأي العام المصري.
جوهر الخلاف بين فؤاد وسلام أخلاقي إنساني، وليس سياسياً ولا فنياً. فالأمر هنا لا يتعلق بشأن سياسي داخلي، كما كان الانقسام حول ثورة يناير، ولا بشأنٍ خارجي كالتطبيع مع إسرائيل وتباين الحسابات تجاهه. وإنما هو أمر أخلاقي إنساني بامتياز، حيث يتعرّض شعب بريء للإبادة الجماعية، ولا أحد يتحرّك لإنقاذه. في حين تنقل الطائرات يومياً عشرات الفنانين وأطقم العمل المرافقة، لإقامة عروضٍ تمثيلية وغنائية لإسعاد بضعة آلاف من المرفهين وإضحاكهم، مقابل ملايين الدولارات.
ليست الأزمة بين ممثليْن اثنيْن، وإنما بين توجّهين ونمطين في التفكير. يتناقضان تماماً في إدراك معنى الإنسانية وجوهرها وتقدير مقتضياتها، وما تستوجبه من مواقف وسلوكيات عملية. ومقابل موقف محمد سلام الذي نال احترام أعداد كبيرة من المصريين وتقديرهم، بمن فيهم زملاء له في الوسط الفني، كان لبيومي فؤاد مناصرون كُثر دافعوا عنه كما لو كان ممثلاً لهم، وهو كذلك بالفعل.
وكالمعتاد في هذه الحالات، تطوّرت الأزمة وسرت مفاعيلها بتلقائية بين دوائر الرأي العام المصري بشكلٍ يصعب التحكّم فيه، فتعرّض بيومي فؤاد لحملةٍ شعبيةٍ نالت من شخصه وأفكاره وليس فقط من موقفه تجاه زميله، فاضطر إلى إغلاق صفحته على منصّة "فيسبوك". وفي هذا الهجوم الشعبي الكاسح تعبير صادق عن احتقار ولفظ المصريين، وأي شعب مسلم حر، لهذه التوجهات والأفكار الوحشية التي تتجاوز حدود العلاقة مع كيانٍ محتل غاصب، أو ممالأة سلطة قمعية أو حتى السكوت عن حربٍ ظالمة ضد شعب أعزل، فهي توجّهات تنفي عن أصحابها أي صفة إنسانية. عشرات آلاف من الدولارات ستقدّم لفؤاد أو غيره منازل فخمة وسيارات فارهة ونفقات باهظة ربما تكفيه أعواما، لكنها لن تمنع سقوطه في أعين المصريين وكل من لديه بقايا إنسانية.
حظي بيومي فؤاد في الرياض باحتفاء رسمي وإعلامي، يؤكّد وقوف الجهات الراعية لتلك الفعاليات الترفيهية معه في خندق الكائنات منزوعة القيم. وما يدعو إلى الأسى والقلق أيضاً أن هذه الإفرازات تطفح على السطح في أكثر الأوقات صعوبة ومأساوية، حيث تُقصف المشافي والملاجئ ويُذبح الفلسطينيون بدم بارد. تماما مثل صديد الجروح التي يؤدّي تجاهلها أو الاستخفاف بها إلى تقيّحها إلى حد العفن.