تعريف جديد في مصر للإصلاح الاقتصادي
الإصلاح الاقتصادي مفهوم متكامل ومتعدد الأبعاد، يتمحور حول تغيير هيكل اقتصاد الدولة، أو في الحدّ الأدنى تطويره بشكلٍ يحقق عمومية "الإصلاح" وشموليته، كأن تغير الدولة طبيعة اقتصادها نوعياً، من ريعي أو خدمي إلى إنتاجي، أو من زراعي إلى صناعي، أو تدخل على هيكله وآلياته تطويراً جذرياً يرفع كفاءته، ويرتقي بقدراته ويعظّم موارده الذاتية.
موارد الاقتصاد المصري محصورة في عائدات مالية مباشرة لكلّ من قناة السويس وتحويلات العاملين في الخارج، وفي فترات سابقة، كانت هناك عوائد السياحة. أي أنّه اقتصاد ريعي بامتياز. ولأنّ مصادر الدخل خارجية حصراً، تتأثر المداخيل بالأزمات العالمية التي تضغط، بالضرورة، على حركة التجارة والمرور في قناة السويس، وكذلك على أوضاع المصريين في الخارج، فضلاً عن تراجع حركة السياحة العالمية. وتلك التداعيات هي حرفياً ما نجمت عن أزمة كورونا ثم أزمة أوكرانيا.
كان يمكن إطلاق وصف "الإصلاح" لو أن الحكومة المصرية وضعت خطةً واضحة لإقامة صناعات ثقيلة أو حتى صناعات تحويلية على نطاق واسع، وعلى مراحل متتابعة وفق خطة مدروسة، غير أن التركيز في مصر منذ السبعينيات انصب على الاستثمار في صناعات تكميلية أو استهلاكية، فظهرت مصانع تجميع السيارات والأجهزة الكهربائية، وكذلك مصانع لمنتجات غذائية ترفيهية مثل المقرمشات. ومع بدايات الألفية الثالثة، انتقل التركيز إلى المشروعات المتوسطة والصغيرة. وقبل أن تتضخّم تلك المشروعات وتزدهر لتمثل نواة بنية صناعية، هجمت المؤسسة العسكرية على مختلف أنشطة الاقتصاد ومجالاته، سواء الصناعية أو التجارية. ولا يزال عدد كبير من المصانع متوقفاً عن العمل منذ عام 2013، ومصانع جديدة تغلق أبوابها. ويومياً يخرج عدد من صغار المستثمرين ومتوسطيهم بالإفلاس أو بالهجرة من السوق المصري. بسبب صعوبة بل استحالة منافسة القوات المسلحة التي تتمتع بإعفاءات ضريبية وجمركية كاملة.
كان في الوسع أيضاً استخدام كلمة "إصلاح" على ما يجري في الاقتصاد المصري، لو أن الدولة اتجهت نحو إحياء قطاع الزراعة المندثر منذ عقود بسبب التخلي عن زراعة محاصيل استراتيجية، مثل القمح، أو ذات جودة عالمية مثل القطن، والاتجاه إلى زراعاتٍ غير مهمة، مثل الفراولة، بحجة التصدير. وليت الأمر اقتصر على تدمير الزراعات الاستراتيجية، بل تعرّضت شبكة الري المصرية للإهمال، وبالتالي أصابها انهيار تدريجي. وبدلاً من تنظيف المجاري المائية وتطوير المصارف وتحفيز المزارعين، تقرّر العام الماضي منع الزراعات كثيفة المياه، وتحديداً الأرز، لنقص المياه بفعل مراحل ملء بحيرة سد النهضة الإثيوبي.
ما يحدُث في مصر ليس إصلاحاً اقتصادياً، ولا حتى جزئياً، فهو مجرّد إجراءات وقرارات نقدية لا تتعدّى رفع سعر العملة أو خفضه قسرياً، من دون أية إجراءات لاحقة لمواجهة تداعيات ذلك من تضخّم وزيادة في أعباء الديون وارتفاع العجز في ميزان المدفوعات. ولا يمكن لأي اقتصادي مبتدئ أن يصف تلك الإجراءات النقدية الجزئية بأنها "إصلاح اقتصادي"، بل ولا تصحيح، أو حتى تعديل، واحدةً فقط من السياسات الاقتصادية المتبعة، وهي السياسة المالية.
والأسوأ من اتباع سياساتٍ ثبت يقيناً خطؤها، هو تكرارها. والأكثر سوءاً، بل غباء، هو الإبقاء على من نصحوا بها أو تبنّوها ودافعوا عنها. وتفويض المسؤولين أنفسهم الذي تسببوا في كوارث، لإصلاح ما أفسدوه، رغم أن خطاياهم متكرّرة، وليست استثناء عارضاً، فقد اعترف وزير المالية المصري محمد معيط صراحة وعلناً بخطأ الاعتماد على "الأموال الساخنة". بعدما تسبّب خروجها في موجة غلاء فاحش وتضخم مرعب لكل الطبقات الاجتماعية، من دون إيجابياتٍ ذات قيمة على دولاب الاقتصاد. ورغم ذلك، ما زال معيط يحمل حقيبة المالية، ويكرر أخطاء أخرى، أهمها الاستدانة من صندوق النقد الدولي لسداد فوائد ديون سابقة!