جوزيب بوريل... التحوّل ممكن
احتفت وسائل إعلام إسرائيلية، تحديداً صحيفة يديعوت أحرونوت، بابتعاد جوزيب بوريل المرتقب عن موقعه مسؤولاً للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، والمفترض أن تحلّ مكانه رئيسة الوزراء الإستونية، كايا كالاس، إذا ما صودق على ترشيحها في ظل الاعتراضات الأوروبية التي برزت عليها.
بالنسبة إلى الاحتلال، لم يكن ما قاله بوريل، في الأشهر الأخيرة، محتملاً. صحيحٌ أن مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، صاحب الجنسية الإسبانية والباع الطويل في العمل السياسي في مدريد، وحتى في المؤسّسات الأوروبية، لم يكن على المسار نفسه في انتقاد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إلا أن اتّخاذه مواقف واضحة تندّد بالجرائم الإسرائيلية المرتكبة، تحت شعار الدفاع عن النفس، جعله يوضَع في نظر ساسة الاحتلال، وحتى في صحافته، في خانة العدو. كان يمكن على مدى الأشهر الماضية مراقبة تحوّل بوريل من صاحب القدرة الفورية على إدانة حركة حماس بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والتهرّب من الإجابة عمّا إذا كان لدى الفلسطينيين الحقّ في الدفاع عن أنفسهم، بعد كل ما ارتُكب بحقهم عقوداً، مقابل اعتبار نفسه أنه "ليس محامياً لاتهام إسرائيل" إلى من يستطيع أن يتحدّث عن معايير إسرائيل المزدوجة، واتهامها باستخدام التجويع سلاحاً وبتعطيل المساعدات، وتهديد قضاة المحكمة الجنائية الدولية، حتى إنه ذهب بعيداً في مقارنة الدمار الذي ألحقته إسرائيل بالقطاع بما حصل في ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية، ليخلُص إلى أن ما أقدم عليه الاحتلال في غزّة يفوق دمار مدن ألمانيا. كما أنه، على عكس قادة أوروبيين آخرين، عمد، في الآونة الأخيرة، إلى تسمية الأمور كما هي، من دون إخضاعها لغربلة ترضي الاحتلال أو قادة أوروبا، فقد اعتبر أن رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، يرفض تنفيذ اتفاق جو بايدن الخاص بوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، في وقتٍ كانت كل أصابع الاتهام تتجه نحو حركة حماس، وتحاول تحميلها المسؤولية، وهو الوضوح نفسه الذي تحدّث به قبل أيام عن التطورات في الضفة الغربية التي تشهد حرباً إسرائيلية مفتوحة عليها، بقوله "يبدو أن هناك إرادة إسرائيلية واضحة لضم الضفة الغربية شيئاً فشيئاً، وهذا الأمر لن يؤدّي إلى السلام". وحتى إن رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون ديرلاين، كانت عرضة لانتقاداته، إذ وصفها بأنها منحازة تماماً لإسرائيل، و"باتخاذها موقفاً حازماً مؤيداً لإسرائيل، لا تمثّل إلا نفسها من حيث السياسة الدولية، وخلفت تكلفة جيوسياسية باهظة بالنسبة لأوروبا".
تفسّر هذه العيّنة من المواقف اعتبار "يديعوت أحرونوت" أنه "يُنظر إلى أي بديل لبوريل تقريباً على أنه تحسّن من وجهة نظر إسرائيل، نظراً إلى موقفه الانتقادي الشديد" للاحتلال.
ويبدو أن توجّس الاحتلال من بوريل، الذي سبق أن سمع كلاماً إسرائيلياً بأنه غير مرغوب به، ولن يتم التعاون معه بسبب مواقفه هذه، سيبقى قائماً حتى موعد مغادرته منصبه في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، أي بعد أكثر من ثلاثة أشهر. وخشية الاحتلال، تتركّز من إمكانية تحرّك بوريل داخل الاتحاد، لبلورة موقف جماعي أكثر وضوحاً في ما يتعلق بإقامة دولة فلسطينية يجاهر غلاة مسؤولي الاحتلال، من أمثال إيتمار بن غفير، بعدم السماح بتحقيقها، أو ما يتعلق بفرض مزيد من العقوبات على المستوطنين الذين تزداد جرائمهم تحت حماية جيش الاحتلال ونظره، لتكون هذه الإجراءات، إن تمكّن من الدفع إليها، آخر بصماته في منصبه، لا سيما في ظل الغموض الذي يكتنف دوره المستقبلي، سواء داخل مؤسّسات الاتحاد الأوروبي أو خارجها.