جوني وآمبر وامرأة عربية
طيلة 41 يوماً، بين 22 إبريل/ نيسان الماضي و1 يونيو/ حزيران الحالي، برزت قضية الزوجين الأميركيين المطلقين، الممثلين جوني ديب وآمبر هيرد. تصدّرت، من دون غرابة، طليعة اهتمامات كثيرين في العالم. في المبدأ، لم تكن هذه القضية سوى واحدة من مثيلات سبقتها وأخرى ستلحقها، لكن الشخصين المعنيين باتا، في العقدين الماضيين أقلّه، ضيفين في منازل كثر، بأفلامهما ومسلسلاتهما، وكأنهما جزء من عائلات وأفراد يحبون هذا الفن. بالنسبة إليهما، وفي حال وضعْنا أنفسنا مكانهما، فقد فعلا ما يفعله أي شخص يملك الأموال والنفوذ، وتصرّفا بشبه أريحيةٍ في محكمة فيرجينيا وقبلها وكذلك بعدها، لكننا، عدا عن متابعتهما بوصفهما مادة لتمرير الوقت، فقد طغت علينا الغرابة لمدى الضجيج الذي رافق المحاكمة. ففي إحدى الجلسات المنقولة مباشرة على موقع "يوتيوب"، بلغ عدد المتابعين أكثر من نصف مليون شخص. رقم مهول، تجاوز عدد سكان أيسلندا (341 ألفا)، على سبيل المثال. وبالطبع، ربما بلغت مشاهدات جلسات أخرى نسباً أعلى.
يشرح هذا الأمر تحوّلاتٍ كثيرة في العالم. المجتمع الاستهلاكي، سيطرة الرغبة على الوعي، التسلية بمشاهدة قضية بين شخصين، وكأن العالم أراد ملء فراغ داخلي ما، مجمّداً الزمن في الأيام الـ41 لمعالجة إشكالية مزمنة. لا يعني هذا حكماً على من تابع القضية، ولا إدانة، لأن لا أحد له الحقّ في منع مطلق فرد أو السماح له بشأن أين يتوجب عليه صبّ اهتمامه. وفي المقابل، يحقّ لهذا الفرد إبداء رأيه بما يجري، مع خروج القضية إلى العلن، وتحوّلها إلى قضية "رأي عام".
صحيحٌ أن اختلاط المفاهيم في هذه القضية، بين العنف الأسري والعنف تجاه المرأة والسلوك الذكوري، جعل المحاكمات وكأنها أمام منعطف تاريخي في أهم المسائل الاجتماعية في عصرنا، سواء في هوليوود أو في العالم. منعطف يفترض أن يسمح بتكريس الجبهة المناوئة للعنف ضد المرأة، ويتيح لها تحقيق مكاسب في نظامٍ هيمن عليه الذكور طويلاً، إلا أن الأمر لم يكن كذلك قط، بل كان أقرب إلى مساحةٍ قتالية قضائياً بين شخصين لم يفكرا أصلاً في قضية اجتماعية، بقدر تفكيرهما في الحصول على حقّهما من القضاء. قطعاً، لن تشكّل هذه القضية نكسة للمرأة ولا انتصاراً للذكور. هذا حجمها.
المسألة الأهم هنا هي القضاء. هل يمكن لأيٍّ منا في شرقنا الأوسطي أن يتحرّك باتجاه القضاء لردّ مظلومية ما، ليس مطلوباً أن ننال شهرةً كالتي حصل عليها ديب وهيرد، بل أقلّه تحقيق العدالة؟ ربما يخبرنا مئات آلاف من المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي في دولنا العربية، في زنازينهم، عن فكرة "اللجوء إلى القضاء". هل يمكن أن تتجرأ أي امرأة تعرّضت للعنف على يد رجل، زوجها كان أو شقيقها أو والدها أو ممن لا تربطها به رابطة الدم، على التقدّم بشكوى ضد الفاعل من دون التعرّض للتنمّر على يد من عليهم كتابة محضر أولاً، قبل الحديث عن المسار القضائي ثانياً؟ هل يمكن كسر قاعدة "الصمت القسري"، الشبيهة بـ"أوميرتا" المافيات الإيطالية، الرنّانة التي تسكن ذواتنا في محيطنا العربي، من دون أن تتمّ شيطنة من قرّرت الثورة والتحدّث عن الظلم؟ لا. الشواهد كثيرة تحت شعارات "الدين" و"التقاليد" و"الأعراف". كم من امرأة تعرّضت للعنف والاضطهاد وظلّت صامتة، لأنه "لا يجوز الخروج عن طاعة الذكر"، أياً كان. وكم من امرأة تحرّر لسانها وحاول مجتمعها إخراسه لأنها "تجاوزت الخطوط الحمراء".
آمبر هيرد خسرت قضيتها، ضمن منطوقٍ قضائيٍّ شامل موضوع في خدمتها، وقرّرت تقديم استئناف على الحكم ضمن حقوقها المكفولة دستورياً، لكن النساء العربيات لا يتمتعن بالحقوق الكاملة للثورة على اضطهاد، بل يبقين بشراً في غربة يُعامَلن أداة في خدمة الرجل. إن لم تكن هذه العبودية، فماذا تُسمّى إذاً؟