حال المصريين في العيد
قبل عشرة أعوام، ابتعتُ سيارة جديدة بـ130 ألف جنيه مصري، وكان هذا المبلغ يساوي وقتئذ 20 ألف دولار، فيما هو حالياً يساوي ثلاثة آلاف دولار تقريباً. بينما يصل سعر السيارة نفسها اليوم إلى مليون ونصف مليون جنيه مصري. هذا الأمر مفهوم ومنطقي، حيث تراجعت قيمة العملة المحلية فعلياً بالقدر نفسه، مع تضاعف سعر الدولار خلال تلك الأعوام أكثر من سبع مرّات.
أما غير المفهوم فهو أن ذاك المبلغ المدفوع ثمناً لسيارة جديدة حديثة قبل عقد صار الآن يكفي بالكاد لشراء عِجل صغير أضحية للعيد، فقد ارتفعت أسعار اللحوم في مصر بمعدّل متسارع خلال الأعوام القليلة الماضية، لكن زيادة الشهرين الأخيرين كانت جنونية، وتجاوزت وحدها كل زيادات الأعوام السابقة.
ورغم أن الأضحية سُنّة وليست فرضاً واجباً على المسلمين، ومصريين كثيرين لا يتبعون تلك السنّة، بغضّ النظر عن مستواهم المعيشي ومعدلات دخولهم، لكن الأضحية وغيرها من طقوس مجتمعية سنوية تعطي مؤشّراً بالغ الدلالة على أوضاع المصريين وأحوالهم المعيشية.
بل إن التضخّم الخرافي الذي يضرب اقتصاد مصر باطراد جعل قيمة هاتف جوّال حديث تتجاوز حالياً ثمن سيارة متوسّطة الحجم والفخامة قبل سنوات قليلة. وهكذا، صارت المقارنات القياسية للأسعار في أغلب السلع بين الوقتين، الراهن والماضي القريب. وهكذا يأتي عيد الأضحى على المصريين وهم في بؤسٍ، بسبب الغلاء الذي دخل بيوتهم بلا استئذان.
وبعد أن كانت الأعياد في مصر مقرونةً بالفرح والسرور والاستبشار بمستقبلٍ أفضل، إذا بها تضيف إلى المصريين همّاً فوق همومهم اليومية، فسواء كانت الأعياد إسلامية، كعيدي الفطر والأضحى، أو مسيحية كعيدي القيامة والميلاد، اعتاد المصريون جميعاً في أعيادهم على ارتداء ملابس جديدة وتبادل الزيارات العائلية والخروج للتنزّه والترفيه، وغير ذلك من مظاهر البهجة والمؤانسة. ورغم أن كل هذه المظاهر تستلزم إنفاقاً أعلى من المعتاد، وأحياناً ميزانيات خاصة يجرى رصدها وتجميعها على مدار العام، إلا أن الأمر كان دائماً في المتناول وتحت السيطرة. تراجعت تدريجيا، في السنوات الأخيرة، قدرة المصريين على إدارة حياتهم اليومية وضبط معادلة مصادر الدخل مع متطلبات الإنفاق، حتى وصلت الفجوة حالياً إلى عجز كثيرين عن الوفاء باحتياجاتهم الحياتية المعتادة من ملبس ومأكل وعلاج وتعليم، هذا طبعاً غير ما يستجدّ من استحقاقات غير ثابتة، تكاليفها ضخمة، منها تأمين مسكن وتجهيزات الزواج أو مواجهة أزمة طارئة.
المثير للأسى أن تعاطي الحكومة والمسؤولين مع هذا الوضع المتردّي والمؤسف يؤكّد خللاً عميقاً في التفكير وعجزاً كاملاً عن وضع خطط أو سياساتٍ لوقف ذلك المنحنى الهابط لمستوى معيشة المصريين. واقتصر الجهد الرسمي لتخفيف الأعباء عن المواطنين عشية العيد على زيادة عدد الساحات المخصّصة لصلاة العيد، واستنفار الدوائر المختصّة بخدمات النظافة وتجميل الشوارع. لكن الأمر لم يخلُ من إشارات الاستفزاز ودلائل الغباء، فقد حذّرت الحكومة المواطنين من عقوبة ذبح الأضاحي خارج الأماكن المخصّصة. كما لو كانت الحياة في مصر رغدةً، والمواطنون في بحبوحة من العيش، تكفل لهم ذبح كميات من الأضاحي تملأ الطرقات!
ليست هذه المرّة الأولى التي تؤكّد فيها الحكومة المصرية إصابتها بالعمى الكامل عما تسبّبه بعشوائية قراراتها من تدمير وتخريب لحياة المصريين، فقد سبق لمن يحمل لقب رئيس الحكومة أن نصح المصريين بالإبلاغ عن أي تاجر يرفع الأسعار. كأن هذا "المسؤول" الكبير لا يسمع ولا يرى، ولا يدري أن الغلاء عمّ البلاد وأذلّ العباد، وأن الكآبة والأسى يُخيّمان على حال المواطن طوال العام وفي الأعياد.