حتى لا تتكرر جريمة الزرقاء
كاتب وصحفي، عمل مديرا عاما لقناة الجزيرة (2014-2018)، ومراسلا. وصانع أفلام، وكاتبا في صحف الرأي والغد والحياة.
صُدم المجتمع الأردني بالجريمة المروّعة التي تعرّض لها حدث في الزرقاء. ضمّ التنظيم البلطجي 12 عنصرا انتقموا من والد الطفل الذي يقال إنه قتل خال المجرم دفاعا عن النفس. وبمعزل عمّا فعله، فإن الجريمة لا يمكن اعتبارها حادثا فرديا معزولا. هي نتاج بيئةٍ إجراميةٍ منظمة تتطلب موقفا حازما من الدولة والمجتمع، بما ينهي ظاهرة البلطجة التي باتت تهدّد المجتمع الأردني والدولة على السواء.
قبل الجريمة المروّعة قدّم الممثل الساخر، يزن النوباني، حلقة من مسلل "ولاد خالتي" عن ظاهرة البلطجة. عندما شاهدتها شعرت فعلا بالقلق، فهي تتحدّث عن بلطجية الشوارع والمنافسة بينهم ونمط اقتصادهم القائم على فرض الخوات والتهريب والمخدّرات والإيذاء. فعندما تتجاوز الظاهرة التقارير والتحقيقات الصحافية، وتصل إلى الدراما تكون قد أخذت مساحة واسعة ومستقرّة في المجتمع.
قبل سنوات، ولم تكن الظاهرة قد استشرت كما هي اليوم، اصطدمت بنائبٍ بسبب إعداد الزميل حسن الشوبكي تقريرا تلفزيونيا عن ظاهرة البلطجة في حي شعبي. ومن قبل ومن بعد، كانت تتكشف خيوط العلاقة بين "السياسي" و"البلطجي"، وخصوصا في مرحلة الربيع العربي، إذ لجأت جهاتٌ في الدولة إلى إطلاق البلطجية على المتظاهرين. وهذا ما اعترف به لي صراحة مسؤول كبير في الدولة في حينه.
في جريمة الزرقاء المروعة، العلاقة فاقعة بين البلطجي والسياسي، فالمجرم عليه أكثر من مئتي قيد، وقد استنزف جهدا هائلا من أجهزة الأمن والقضاء في ملاحقاته ومحاسبته. لكنه في تحالفه مع "نائبٍ" وعلى وجه انتخابات، أطلق سراحه ليعيث في البلاد إجراما وفسادا. النائب هو عمليا عرّاب العصابة، لا يقوم بالأعمال الساقطة التي تتورّط فيها، لكن أفرادها في خدمته عندما يحتاجهم، وهو يمثل السند "القانوني والمالي لهم".
إنها منظومة فساد يمكن كشفها بسهولة من خلال النائب، عند من توسّط ومقابل ماذا؟ هل المتورّط يعمل في الداخلية أم في القضاء؟ من السهل اكتشاف ذلك خلال ساعات. حتى لو كان الذي أفرج عنه وزيرا أو محافظا أو قاضيا أو موظفا تنفيذيا صغيرا، فإنه جزء من التنظيم الإجرامي الإرهابي، خصوصا أن سلوك أفراد العصابة وسقوطهم الأخلاقي موثّق في فيديوهات منشورة على منصات التواصل، فهم يقومون بالاعتداء على بسطة شيخ كبير في السن ويضربونه عندما يحتج عليهم. الساقط ليس من اعتدى على الكبير في السن فقط، الساقط هو من توسّط للإفراج عنه مقابل خدمات انتخابية.
الصادم في جريمة الزرقاء ليس تورّط نائب فيها، بل وحشيتها التي لا يعرفها المجتمع الأردني. فالبلطجية يؤذون بشكل بسيط للتخويف وترك علامة، وليس بتقطيع اليد وفقء العين. هذا سلوك وحشي ربما قد تسرّب إلى وجدان صغار المجرمين من خلال الشاشات. النظام السوري يقطع العضو الذكري للطفل حمزة الخطيب، ويخرج شريف شحادة وحسين مرتضى من "الإعلام الشبّيح" ليبرّروا الجريمة بأنه كان ينوي اغتصاب نساء الضباط! بعدها تفنّن "داعش" في التقطيع والحرق والإغراق والسبي، والمأمول أن يكون آخر الوحشية جريمة تقطيع الصحافي جمال خاشقجي بالمنشار.
مواجهة البلطجة المتوحشة لا تكون بالقتل في ساحة عامة. توجد نصوص قانونية واضحة تعاقب بالإعدام على هذا الفعل الشنيع، وقد طالبت حملة على منصّات التواصل بتطبيق المادة القانونية التي تنص على الإعدام. سيادة القانون هي الأساس، والدولة وحدها بدون شريك تحتكر القوة المنظمة. وهي المكلفة حصرا بتنفيذ القانون بالقوة على البلطجي الصغير المتوحش الظاهر بالوشوم الشيطانية على جسده، والبلطجي الكبير الذي يحضر الاجتماعات الرسمية بالبدلات الفاخرة في مجلس النواب، ويتفتل على مؤسسات الدولة خدمةً لعناصر تنظيمه الإجرامي.
بذلك وحده ننتقم للفتى الصالح الذي أبكى الأردنيين، وكل من قرأ قصته أو تمكّن من مشاهدة الجريمة البشعة التي وثقها المجرم بالفيديو.
كاتب وصحفي، عمل مديرا عاما لقناة الجزيرة (2014-2018)، ومراسلا. وصانع أفلام، وكاتبا في صحف الرأي والغد والحياة.