حرب الجنوب... على ماذا تعتمد إسرائيل؟

06 أكتوبر 2024

دخان بعد غارة جويّة إسرائيلية على بلدة الخيام جنوبي لبنان (3/10/2024 Getty)

+ الخط -

استمع إلى المقال:

تؤكّد إسرائيل، عبر خريطة قصفها الجوي واستهدافها مواقع منتقاة في دول الإقليم، أن الخرق في صفوف أعدائها واسع جدّاً ومستمر، وتدفّق المعلومات عليها لا يكاد يتوقّف، بما يعني أن هناك قناة "آمنة"، يبدو أنها لن تنضب، تستقي منها إسرائيل معلوماتٍ دقيقة تستخدمها في هجوماتها الناجحة. والنجاح يعني أن الهدف تحقّق، وإصابة مباشرة قد تمت، رغم أن الأضرار الجانبية الناتجة من الاستهداف تكون كبيرة أحياناً. ولكن يبدو أن إسرائيل أصبحت مستعدّة لتلقي لوم المنظمّات الإنسانية وجماعات حقوق الإنسان أكثر من ذي قبل، وكانت صورتها قد تلطخت بالفعل خلال حرب غزّة المستمرّة، وأظهرت عدة دول تعاطفها مع غزّة بعد مشاهدة شلال من الصور والمقاطع التي تعرض معاناة من هم تحت القصف. ولكن يبدو أن إسرائيل غير مستعدّة لتفويت الصيد الثمين الذي حصلت عليه في لبنان، لقاء مزيد من اللوم الذي لن يغير من الحقائق كثيراً، حيث برهنت على مقدرة استخباراتها الفائقة، وساعدتها أكثر سمعة حزب الله التي تضرّرت بشدة منذ أن تدخّل في سورية.

قصفت إسرائيل جميع قرى الجنوب اللبناني مرّات عديدة في الفترة الماضية، وهذه سياسة كانت إسرائيل قد أعلنتها على لسان غادي أيزنكوت بعيد الانتهاء من حرب 2006 مباشرة، حيث قال القائد العسكري للمنطقة الشمالية إن إسرائيل ستدمّر كل قرية في جنوب لبنان تخرج منها رصاصة واحدة موجّهة إلى الجيش الإسرائيلي. وقد نفذت هذا التهديد، وهاجمت كل قرى الجنوب، من دون أن تلقي بالاً لتهجير المدنيين من تلك الأماكن، لتحقيق مكاسب عسكرية مهمة كالتي حصلت عليها.

أصبح الإيمان الإسرائيلي بالقوة أكثر رسوخاً بعد أن خاضت إسرائيل تجارب تأكدت خلالها من إمكاناتها المتفوقة، وتشكل علاقاتها القوية وطويلة الأمد مع الولايات المتحدة جزءاً من ذلك الإيمان، وعنصراً أساسياً من عناصر القوة التي تعتمد عليها، فرغم أن الحالة بين إسرائيل والولايات المتحدة زمن الرئيس باراك أوباما لم تكن تبدو حميمة، حيث بحث أوباما عن حلفاء آخرين في مصر وتركيا، وصفق لتيارات إسلامية ظهرت بعد الربيع العربي، ما جرّ جفاءً إسرائيلياً أميركياً، مع ذلك لم ينقطع بينهما التعاون والمساعدات والزيارات، وورث بايدن العلاقات الجافة هذه، وزادت سوءاً بينه وبين نتنياهو، ثم تغير كل شيء بعد هجوم حركة حماس على غلاف غزّة، فزار بايدن إسرائيل، وعاود وزير خارجيته، بلينكن، زيارتها مرّات عدّة، وتدفقت المساعدات العسكرية بكثافة، حتى عطلت أحياناً الدعم لأوكرانيا. وبهذه العلاقة الاستراتيجية، يتحول لدى قادة إسرائيل الإيمان بالقوة إلى عقيدة راسخة تؤهلها للقيام بعمليات فتك واسعة ومدمّرة.

تسيطر إسرائيل حالياً على أجواء المنطقة، ويبدو أن طائراتها العسكرية قادرة على الوصول والتنفيذ الدقيق، وهو غير كافٍ مهما بدا قوياً وعميقاً ومركّزاً، إن لم يترافق مع إمكانات السيطرة على الأرض، وهو ما لم تحققه إسرائيل في غزّة، بعد عام من التوغل البرّي، وتتعقد المسألة قليلاً عند الحديث عن جنوب لبنان، وتصبح أصعب. وقد حاولت إسرائيل بالفعل أن ترسل بالونات اختبار برّية عبر مجموعة مدرّعة حاولت الاختراق في الجنوب، جوبهت بقوة من دون أن تحقق الكثير، وتعرّضت لإصابات بالغة.

لا توحي ردود أفعال حزب الله على خسائره الكبيرة ومقتل قياداته بشكل جماعي أنه راغب في توسيع المواجهة، وتحويلها إلى حرب شاملة. أما إن أرادت إسرائيل أن تعزّز تفوقها بالانتشار البرّي، فلن يكون الأمر متاحاً بالسهولة التي شاهدناها خلال استخدام التكنولوجيا عن بعد، فعشرون عاماً من وجود حزب الله الحصري في جنوب لبنان مكّنه من إنشاء ترسانة تحصينات صعبة الاختراق، قد تجعل إسرائيل تطيل حربها الجوية، قبل أن تصبح قادرة على تنفيذ اجتياح برّي تستطيع تحمّل تكاليفه.