حسن اسميك نموذجاً للصهاينة العرب
كاتب وصحفي، عمل مديرا عاما لقناة الجزيرة (2014-2018)، ومراسلا. وصانع أفلام، وكاتبا في صحف الرأي والغد والحياة.
يكشف حسن إسميك الوجه الحقيقي للصهاينة العرب، فكل محاولات التلميع له لا تخفي شخصيته الحقيقية، فهو محكوم في قضايا مالية على مبالغ تافهة في الأردن، وهرب إلى الإمارات ليعود شخصا يتحكّم بعشرات الملايين، سواء باسمه أم باسم مشغليه، وتسبّب في استقالة محافظ البنك المركزي الأردني، فارس شرف، على خلفية ملاحقته في قضية غسل أموال كبرى. لم يُعرف له أي نشاط سياسي أو إعلامي. لكنه يُصدّر في قضايا كبرى مثل مقابلته عبد الفتاح السيسي، وإعلانه مشروعا عقاريا ضخما لم ير النور.
طبعا، انشغل في إعادة رسم صورة له من خلال التبرّعات للفقراء والطلبة ودعم مؤسّسات، واستخدم إمكانات محرّكات البحث المدفوعة في "غوغل" للوصول إلى نتائج دعائية لشخصيته، تخفي الأحكام القضائية والملاحقات التي تعرّض لها. ذلك كله مفهومٌ لشخصٍ جنى ثروة، ويحاول بناء صورة جديدة له. غير المفهوم أن يستخدمه الصهاينة، بشكل فج، عبر وضع اسمه على مقالٍ يروّج الرؤية الصهيونية اليمينية المتطرّفة لحل الصراع العربي الإسرائيلي من خلال إنهاء الدولة الأردنية ومنع قيام دولة فلسطينية.
المؤكّد إن إسميك ليس كاتبا باللغة العربية ولا بالإنكليزية، ولم تبرز مواهبه الكتابية إلا بعد صفقة القرن وما تلاها من اتفاقات تحالف استراتيجي مع دولة الاحتلال عرفت بالاتفاقات الإبراهيمية. وأخذ يروّج كلاما إنشائيا عن عملية السلام، إلى أن فجر قنبلة "فورين بوليسي" بجرأة لم يسبقه لها غير الصهيوني المعروف مضر زهران. لم يُنشر كلامه في تغريدة ولا في غرفة كلوب هاوس، نشر في مجلة مرموقة باللغة الإنكليزية، ليقدّم للعالم باعتباره ممثلا للأردنيين من أصل فلسطيني. وهذا شغل دولٍ تموّل شركات علاقات عامة بالملايين، لنشر مقالٍ لشخصٍ نكرة ومحكوم قضائيا لترويج سياساتٍ صهيونية على حساب بلده. ومن حسن الحظ أن الصهاينة لم يجدوا فلسطينيا أو أردنيا عليهما القيمة لوضع اسمه على المقال. ولم يجد الطرح الصهوني غير الرفض من الرأي العام الأردني والفلسطيني، وبلغة هجومية حادّة، محورها الشخص ذاته وتاريخه، سواء من خلال المقالات أو التغريدات والمنشورات على منصّات التواصل، ما اضطرّه إلى نشر توضيح يشبه الاعتذار عن مقاله.
المقال تافه، و"الكاتب" لا يعبّر إلا عن مموّليه. وهذا لا يقلل من خطورة البرنامج الصهيوني الذي عبّر عنه المقال، وهو ليس نظرية بل تطبيق عملي متواصل على الأرض، فنحن أمام تفعيل لصفقة القرن التي تُنكر الحقوق التاريخية للفلسطينيين وقرارات الشرعية الدولية من دون الإعلان الرسمي. القضية الفلسطينية ليست أكثر من عمل إغاثي لمُعدمين وفقراء في غزة، وتنمية اقتصادية في الضفة الغربية تحقق ازدهارا ورفاها للسكان، وما هم إلا عبء ديمغرافي يصدّر إلى الأردن، بعد أن تستولي إسرائيل على ما تبقى من أرضٍ بالضم والاستيطان، وتفكّك الدولة الأردنية ليبقى على رأسها ملك رمزي يقوم بدور مخاتير القرى تحت الاحتلال.
ليست أول مرّة يروّج فيها الصهاينة رؤيتهم، ولن تكون الأخيرة، والتصدّي لهم يتطلب جهدا مشتركا أردنيا وفلسطينيا على المستويات كافة، رسمية وشعبية، فالرواية الصهيونية التي يروّجها المقال تحوّل الوحدة الأردنية الفلسطينية إلى وحدة مع الاحتلال وضمّه واستيطانه وتهويده. مع أن تلك الوحدة وليدة لحظة التصدّي للعدوان، فالجيش العربي دخل الضفة الغربية وقاتل على أسوار القدس وتمكّن من تحرير القدس القديمة بما فيها الحي اليهودي، وظل موجودا بوصفه جيشا عربيا هبّ لنصرة شعب فلسطين. وبعدها بعامين، تمت الوحدة إقرارا لأمرٍ واقع. ونص قرارها على عدم التخلي عن الحقوق العربية في فلسطين، وهو ما فات إسميك في مقاله. ودعوة الملك إلى العودة إلى قرار الوحدة تعني ليس تحرير القدس، بل تحرير كل فلسطين وعودة اللاجئين.
لم تجد الوحدة معارضةً جدّية أردنيا وفلسطينيا، فعلى الرغم من وجاهة الطرح الذي قدّمه نواب الضفة الغربية حول غياب " فلسطين" عن اسم المملكة، إلا أنهم قبلوا بـ "الأردن جزءا من الأمة العربية" كما نصّ الدستور، وبعد تحرير فلسطين، يتم الاتفاق على الصيغة والتسمية. انخرطت كل القوى، بما فيها المعادية للهاشميين، في الوحدة، وفي برلمان الوحدة فاز بالأكثرية الحزب الوطني الأشتراكي وحليفاه، الحزبان البعث والشيوعي، ولم يغب عنه حزب التحرير وجماعة الإخوان المسلمين والقوى التقليدية والقبلية.
لم يتمكّن الاحتلال من إنهاء تجربة الوحدة الناجحة. وعندما أعادت حكومة أحمد عبيدات مجلس النواب عام 1984 انتخب أعضاء المجلس بدلاء عمّن توفوا من أعضاء الضفة الغربية، على الرغم من قرار قمة الرباط (1974)، فتمثيل منظمة التحرير الفلسطينيين لا يعني إنهاء الوحدة. على العكس، الملك حسين هو من افتتح أول دورة للمجلس الوطني الفلسطيني في القدس عام 1965. وقرار فك الارتباط القانوني والإداري مع الضفة الغربية، المعلن في 1988، لم يمسّ الأردنيين من أصل فلسطيني في الأردن. لا يحتاج الأردنيون والفلسطينيون إلى جاهلٍ يزوّر تاريخهما وحاضرهما، ولو في مجلة فورين بوليسي، وهم قادرون على صياغة علاقة مستقبلية، كما صاغوا علاقتهم من قبل في إطار التصدّي للاحتلال وليس التماهي معه.
كاتب وصحفي، عمل مديرا عاما لقناة الجزيرة (2014-2018)، ومراسلا. وصانع أفلام، وكاتبا في صحف الرأي والغد والحياة.