حقوق الإنسان بين سكارليت جوهانسون وهدى عبد المنعم
أفرجت السلطات المصرية، قبل أيام، عن المعتقلين الثلاثة العاملين في "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، وذلك بعد أن تم اعتقالهم نحو أسبوعين، وعلى إثر حملة دولية واسعة، وضغوط سياسية عديدة من حكومات وشخصيات أوروبية وأميركية، فضلاً عن بيانات إدانة من المنظمات الدولية، كالأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، ناهيك عن منظمات حقوق الإنسان الدولية، مثل هيومان رايتس ووتش والعفو الدولية، وقد طالب جميعهم السلطات المصرية بالإفراج الفوري عن المعتقلين الثلاثة، وهو ما حدث. كذلك ساهم في هذه الحملة فنانون عالميون من "هوليوود"، أبرزهم الممثلة الأميركية، سكارليت جوهانسون، التي نشرت مقطعاً مصوّراً لعدة دقائق، تتحدث فيه عن مأساة المعتقلين الثلاثة، وتطالب السلطات المصرية بالإفراج الفوري عنهم. كما استضافت الإعلامية في شبكة سي أن أن، كريستيان أمانبور، زوجة أحدهم للحديث عن أوضاعه داخل المعتقل.
وبقدر البهجة التي تصاحب الإفراج عن أي معتقل سياسي من سجون الاستبداد، سواء في مصر أو غيرها، ثمّة الحزن والإحباط من الازدواجية والانتقائية في التعاطي مع قضية المعتقلين السياسيين الذين يتم اعتقالهم لنشاطهم السياسي أو لتعبيرهم عن رأيهم الذي قد يخالف رأي النظام وأبواقه الإعلامية. فلم نسمع صوتاً ولم نر ضغطاً مماثلاً عندما سقط أول رئيس مصري منتخب (الرئيس السابق محمد مرسي) مغشياً عليه وفاقداً حياته، وهو يُحاكَم ظلماً وزوراً في محكمة سياسية تفتقد لأدنى مقومات العدالة والنزاهة والشرف، وذلك في عام 2019. تماماً مثلما صمَتَ العالم، بكل وقاحة، على جريمة الانقلاب عليه، واختطافه عدة شهور عام 2013، قبل أن يتم عزله في سجن انفرادي، لم ير فيها أسرته، ولم يقابل محاميه إلا مرات معدودة في ست سنوات. كذلك لم يحرّك العالم ساكناً من أجل إطلاق سراح أكثر من خمسين ألف معتقل يرزحون تحت التهم الهلامية الكاذبة نفسها التي اتُهم بها نشطاء المبادرة المصرية، والمتعلقة بدعم الإرهاب والانتماء لمنظمة إرهابية. ولم نسمع أو نشاهد فيديوهات تضامنية مع سجينات سياسيات كثيرات تم اعتقالهن بكل قسوة وإجرام على مدار السنوات الماضية، من دون جرم أو ذنب، مثلما حدث مع الشابة عائشة خيرت الشاطر ذات الـ 39 عاماً، والتي تقبع منذ أكثر من عامين في زنزانة انفرادية كئيبة في سجن القناطر، وقد أصابتها أمراض عديدة داخل المعتقل، وكادت تفقد حياتها بسبب إضرابها المفتوح عن الطعام، وذلك كله ليس لذنبٍ سوى أنها ابنة أحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين، وهو خيرت الشاطر. وكذلك الحال مع الناشطة الحقوقية، هدى عبد المنعم (61 عاما)، العضو السابق في المجلس القومي لحقوق الإنسان، والتي تم اعتقالها في الفترة التي جرى فيها اعتقال عائشة الشاطر، وقد تدهورت صحتها بشكل كبير في الأسابيع الماضية، بعد أن أصابتها جلطة في القلب، بحسب ما ذكرت ابنتها، وتواجه مصيراً مجهولاً.
لم ينتفض العالم لوفاة عشرات المعتقلين داخل السجون على مدار الشهور الماضية، سواء بسبب التعذيب أو الإصابة بفيروس كورونا أو الإهمال الطبي
ولم ينتفض العالم لوفاة عشرات المعتقلين داخل السجون على مدار الشهور الماضية، سواء بسبب التعذيب أو الإصابة بفيروس كورونا أو الإهمال الطبي، مثلما حدث أخيرا مع القيادي في الإخوان المسلمين والنائب السابق، عصام العريان، والصحفي اليساري، محمد منير، الذي توفي عقب خروجه من المعتقل بأيام قليلة، أو ما حدث مع المخرج الشاب شادي حبش الذي لم يتجاوز عمره 25 عاما، وقد فقد حياته في الحبس الاحتياطي في المعتقل، بعد أن تم حبسه ظلماً، ليس لشيء سوى إخراجه أغنية ناقدة للجنرال الديكتاتور عبد الفتاح السيسي. ولم تشفع الجنسية الأميركية للمعتقل مصطفى قاسم الذي لفظ أنفاسه الأخيرة في يناير/كانون الثاني الماضي، وهو معتقل ظلماً في سجن طره سبع سنوات. .. والقائمة تطول. بل لا يزال العالم يتفرج على مأساة رموز سياسية معتقلة وطاعنة في السن، وتعاني أمراضاً مزمنة، كما عبد المنعم أبو الفتوح وحازم حسني اللذين يعانيان أمراضاً في القلب.
يجب أن يكون هناك عدل وإنصاف ومساواة في التعاطف الإنساني مع المعتقلين السياسيين في مصر، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية والإيديولوجية
وإذا كان من الواضح أن الانتقائية والازدواجية في دعم المعتقلين السياسيين في مصر تستند إلى أن معظمهم ينتمي للتيار الإسلامي، وهو قطعاً ليس مبرّراً، بل أمر يدعو إلى الخجل، فإن هناك معتقلين سياسيين كثيرين من غير الإسلاميين الذين يتعرّضون للتهم الباطلة نفسها التي تعرّض لها أعضاء المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، ويعيشون ظروفاً قاسية داخل السجون المصرية. وعلى الرغم من ذلك، لم ينتفض أحد لمساعدتهم أو دعمهم والمطالبة بإطلاق سراحهم. وهو ما يثير تساؤلاتٍ كثيرة بشأن الالتزام الأخلاقي والإنساني للمطالبين باحترام حقوق الإنسان. ولا مبالغة في القول إن هذه الازدواجية تمثل تواطؤاً غير مباشر في جريمة اعتقال آلاف الأبرياء في مصر.
ليس مطلوباً أن يدخل العالم في مواجهة سياسية لإزالة نظام السيسي، وهو قطعاً يستحق ذلك، ولكن يجب أن يكون هناك عدل وإنصاف ومساواة في التعاطف الإنساني مع المعتقلين السياسيين في مصر، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية والإيديولوجية، والمطالبة بالإفراج الفوري عنهم من دون قيد أو شرط.