حكومة جديدة في مصر الجديدة
تقول نكتة سياسية في مصر تعود إلى زمن أنور السادات إنه استشعر نوعاً من الإهانة لشخصه وللمنصب، عقب استقالة وزير خارجيته اسماعيل فهمي، وخلفه محمد إبراهيم كامل اعتراضاً على ذهابه إلي الكيان الصهيوني والسير في طريق التطبيع، إذ يُحكى أنه طلب تعيين وزير خارجية على وجه السرعة وحين سئل من؟ قال أي اسم، كمال، حسن، علي، فجاءوا إليه بمن يحمل الأسماء الثلاثة، فكان تعيين العسكري كمال حسن علي وزيراً للخارجية.
كانت هذه النكتة تُتداول للتندّر على طريقة اختيار الوزراء، في فترات سابقة كانت فيها مصر لا تزال تحتفظ بوزنها السياسي الإقليمي ودورها العربي والأفريقي، وتحتفظ ببعض القيم البيروقراطية العريقة في النظام السياسي المصري. أما الآن، فقد صار المصريون يدركون، بالبداهة، أن كل السلطات في يد شخصٍ واحد. وعلى الرغم من ذلك، يشتعل الجدل والاشتباك بشأن تشكيل حكومة جديدة، أو إجراء تغييرات على حكومة قديمة، معلوم مسبقاً أنها لن تقدّم أو تؤخّر، غير أن الممسكين بالخيوط الذين يحرّكون الأحداث والشخصيات على هذا المسرح العبثي يجيدون لعبة صناعة القضايا من اللاشيء.
اللافت فعلاً أن هذا العرض المبهر تكرّر مرّاتٍ عدة على مدار السنوات الماضية. وفي كل مرّة، ينشط العرافون والمتنبئون والعارفون طوال الوقت ببواطن الأمور في صباغة الحكايات ودباغة السيناريوهات عن الصراع في أروقة النظام السياسي، وعن انقلاباتٍ في الطريق، ثم عن انقلابات على الانقلابات، ولا يتورّع بعضهم عن تعيين الأسماء وتحديد المواعيد، ودعوة الجماهير إلى التأهب للحدث العظيم.
يتجاهل هؤلاء أمراً أساسيّاً في قراءة المشهد، وصياغة تطوراته ومآلاته، وهو أنه لا يوجد نظام سياسي أصلاً بالمعنى الحقيقي للمصطلح، والذي يفترض أن هناك سلطة تنفيذية تراقبها وتحاسبها سلطة تشريعية، منتخبة انتخاباً حقيقيّاً من الشعب وممثلة له، ثم بعد هاتين السلطتين أو قبلهما، سلطة القضاء المستقلة التي يخوّل لها الدستور محاكمة المسؤولين والوزراء إذا انحرفوا عن مقتضيات وظيفتهم، ثم هناك كذلك المعارضة السياسية، حزبيةً كانت أم تيارات شعبيّة وتنظيمات نقابيّة، تتمتع بحق النقد والاتصال بالجماهير وحشدها للتظاهر والاحتجاج ضد ما تراه ضد مصالح الشعب، كما أن لها الحقّ في الطموح إلى الوصول إلى الحكم عن طريق انتخاباتٍ حقيقيةٍ تتوافر لها ضمانات النزاهة والمساواة بين المتنافسين.
وبما أن شيئاً من ذلك غير متوفّر، فإن من العبث أن يتحدّث أحدٌ عن نظام سياسي يصارع بعضُه بعضاً، كما يروّج أصحاب بضاعة التغيير على الأبواب والانقلاب يتدرّب في الحديقة الخلفية ويتأهب للانقضاض، وهي البضاعة التي لا تفعل سوى شيئين: الأول، "بسترة" أحلام الناس ومشاعرهم، بمعنى تسخينها حتى درجة الغليان، ثم تبريدها حد التجمّد. والثاني إظهار صاحب السلطة في صورة المتغلب المتمكن الممسك بكل الخيوط والقادر على التهام أعتى العتاة، وهو ما تجده في التغييرات الأخيرة بتركيبة المحيطين بالسلطة الوحيدة والفعلية، والذين يبالغ الناس في تقدير حجمهم، فيطلقون عليهم"الحكومة"، إذ بدا الأمر وكأن كل هذه الإثارة الدرامية قصد بها إحالة وزير الدفاع ورئيس الأركان إلى التقاعد، وهما الاسمان اللذان بنى عليهما العارفون بكل شيء والخبراء في قراءة الحاضر والمستقبل سيناريوهات التغيير الذي سوف يعصف بكل شيء.
يقول الواقع، بكل اللغات واللهجات، إنه لا يمكن توقع تغيير في ظل حالة موات سياسي عام على نحو أفدح مما كان قائماً في أشد الفترات تكلّسّا في تاريخ مصر، إذ أن حالة الموات، أو على الأقلّ الخمول والهزال، تجاوزت الحكومة، وما يسمّى النظام السياسي، لتضرب بعنف فى أوصال الشعب المصرى الذى يبدو كأنه خارج إطار الزمن، أو فى أفضل الأحوال يجلس متسمرّاً على مقاعد خشبية متهالكة مليئة بالمسامير لمشاهدة ما يجرى أمامه وعليه من سيناريوهات رديئة من دون أن يحرّك ساكنا، أو حتى يشعر بوخز المسامير من تحته.