حين تُرك نظام الأسد يواجه مصيره المحتوم
قبل سقوط نظام بشّار الأسد، تواترت مؤشّرات إلى أن حلفاءه تخلّوا عنه، وتركوه يواجه مصيره المحتوم بالسقوط، فقد أوردت تقاريرُ إعلاميةٌ عالميةٌ أن الأسد طلب المساعدة بشكل يائس من روسيا وإيران، مع تقدّم فصائل المعارضة نحو مدينة حمص، ذات الأهمية الاستراتيجية، لكن كلّاً منهما لم تقدّما ما يمكن إنقاذه من السقوط، ما يعني أن إيران لم ترد أن تكرّر خوض حرب جديدة من أجل إنقاذ النظام مرّة ثانية، أي تكرار ما قامت به بعد اندلاع بداية الثورة السورية عام 2011، حين حشدت إمكاناتها العسكرية والمالية كلّها، وخاضت معاركَ ضدّ غالبية السوريين لإنقاذه، وكذلك فعلت روسيا بتدخّلها العسكري المباشر في نهاية سبتمبر/ أيلول 2015، الذي كان له الدور الرئيس في حسم المعارك مع فصائل المعارضة لصالح نظام الأسد، إلى جانب الاتفاقات التي عقدتها مع تركيا من أجل تحقيق ذلك كلّه. وقد سبق أن اعترف وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في 18 يناير/ كانون الثاني 2017، بأنه لولا التدخّل العسكري الروسي لكان نظام الأسد قد سقط خلال أسبوعين أو ثلاثة، لكن روسيا التي منعت سقوط الأسد سابقاً شعرت بالعجز حيال الوضع في سورية قبل سقوط النظام، فلم يكن لديها أيّ خطّة لإنقاذ الأسد، خصوصاً بعد انهيار قواته أمام هجوم فصائل المعارضة، الذي بدأته في 27 الشهر الماضي (نوفمبر/ تشرين الثاني)، وأفضى بداية إلى تغيير دراماتيكي في موازين القوى، وتبدّل في خرائط السيطرة، نتيجة انهيارات واسعة في صفوف قوات الأسد والمليشيات الإيرانية المساندة لها، إذ بعد انسحابها الكيفي من مناطق عديدة في الشمال السوري (أهمها مدينة حلب)، لم تتمكّن هذه القوات من الصمود أكثر من ثلاثة أيام في مدينة حماة وريفها، فاضطرت إلى الانسحاب منها أمام زحف فصائل المعارضة السورية المسلّحة، التي تابعت طريقها إلى مدينة حمص، ثمّ تمكنت فصائل محلّية من السيطرة على كلٍّ من محافظات درعا والسويداء والقنيطرة، وزحفت فصائل المعارضة نحو دمشق لإسقاط "نظام الاستبداد والفساد".
منعت روسيا سابقاً سقوط النظام السوري، لكنّها عجزت اليوم، ولم يكن لديها أيّ خطّة لإنقاذ الأسد
كان واضحاً منذ الأيام الأولى لعملية "ردع العدوان"، التي قامت بها فصائل المعارضة السورية، أن الموقف الروسي قد تغير حيال نظام الأسد، فقال المتحدّث باسم الكرملين دميتري بيسكوف في 5 ديسمبر/ كانون الأول الجاري إن "روسيا تراقب الوضع من كثب في سورية، وتقيّم انطلاقاً من الوضع في الأرض حجم الدعم اللازم لها في مكافحة المسلّحين، والقضاء على تهديدهم". ثمّ لم يتردّد لافروف في القول إن استقرار الوضع في سورية ليس بالأمر السهل، ووصف ما يجري فيها بأنه "لعبة معقّدة"، تشارك فيها أطراف عديدة. وكان يمكن أن يكون موقف الروس أكثر حزماً حيال الدفاع عن نظام الأسد، الذي منحهم موطئ قدم عند شواطئ البحر المتوسّط، وعقد معهم اتفاقية مدّتها 49 عاماً قابلةً للتجديد، وباتوا بموجبها يملكون قاعدةً عسكريةً بحريةً في ميناء طرطوس، لكنّهم في المرحلة الراهنة مشغولون أكثر بحربهم على أوكرانيا، وأدركوا أخيراً أن مصير الأسد بات محكوماً بالرحيل، وأن عليه التخلّي عن كرسي الحكم الذي حارب طويلاً من أجله. أمّا المسؤولون الإيرانيون فقد أيقنوا أن نظام الأسد آيل إلى السقوط، ودفع ذلك وزير الخارجية عباس عراقجي إلى القول إن مصير بشار الأسد "غير معروف"، ولعلّها المرّة الأولى التي يتحدّث فيها مسؤول إيراني عن الأسد بهذه الطريقة، والأمر عائد إلى أن إيران أدركت أنه من دون روسيا لن تستطيع تقديم ما يُذكر للنظام، خاصّة بعد أن أعلنت الحكومة العراقية أن أولويتها هي الدفاع عن حدود بلدها، وأنها لن ترسل قوات من الجيش العراقي أو فصائل من الحشد الشعبي كي تقاتل دفاعاً عن الأسد في سورية. إضافة إلى أن النظام الإيراني بات يهمّه أكثر الدفاع عن مواقعه الداخلية في إيران، والاستعداد لمواجهات أخرى لمشروعه التوسّعي في المنطقة.
أفضى الانكفاء الروسي وإحجام حلفاء النظام التقليديين عن تقديم الدعم لنظام الأسد إلى انكشافه
كان نظام الأسد يعتمد خلال السنوات السابقة على الوجود العسكري الروسي بوصفه عامل ردع أمام محاولات المعارضة تغيير خرائط السيطرة على الأرض، لكن الانكفاء الروسي وإحجام حلفاء النظام التقليديين عن تقديم الدعم لنظام الأسد، أفضى إلى انكشاف النظام، وزاد من حجم الضغوط العسكرية والسياسية عليه، خاصّة بعد أن باتت كلّ من موسكو وطهران أكثر ميلاً إلى ترتيب مصالحهما في سورية بعيداً عن الالتزام المطلق ببقاء الأسد، ما وضعه أمام واقع سياسي وعسكري شديد التعقيد، أنذر بسقوطه، ولم يستطع أحد أن يقدّم له طوق النجاة لنظام. حتى إن السفارة الروسية في دمشق لم تجد لديها سوى مطالبة الرعايا الروس بمغادرة سورية، في وقت انتشرت فيه مقاطع فيديو لسحب الروس معدّاتهم العسكرية من مواقعها في المناطق السورية، إضافة إلى مغادرة سفن تابعة للأسطول الروسي القاعدة الروسية في طرطوس، فيما أعلنت حكومة اليمين المتطرّف في تلّ أبيب أنها تستعدّ لانهيار نظام الأسد، وأنها لم تلاحظ أيَّ تدخّل ملموس من إيران أو روسيا في سورية، وذلك بعد أن فقد النظام سيطرته في الحدود مع إسرائيل، وفقدها كذلك مع الأردن لصالح فصائل المعارضة، بعد سيطرتها على معبر نصيب، والمنافذ الحدودية كلها مع الأردن، والأمر نفسه حدث مع المنافذ الحدودية مع العراق، التي فقدها النظام بعد انسحابه من دير الزور والبوكمال لصالح قوات سوريا الديمقراطية (قسد).
وكانت متأخرةً الدعوة التي وجهها لافروف، بعد اجتماع ضامني محور أستانة في الدوحة، لكلّ من النظام والمعارضة إلى وقف القتال وبدء حوار سياسي، وتنفيذ قرار مجلس الأمن 2254، لأن ما سعت إليه المعارضة السورية هو إسقاط نظام الأسد، وإخراج إيران من سورية. وهو ما تلاقى مع ما تطمح إليه العديد من القوى الدولية، ويتقاطع مع المتغيّرات التي حصلت في منطقة الشرق الأوسط أخيراً، ومساعٍ عربية ودولية ترمي إلى تقويض نفوذ إيران في المنطقة، انطلاقاً من الملعب السوري، الذي له انعكاساته على لبنان والعراق. استمرّ زحف فصائل المعارضة نحو دمشق وترك النظام ليسقط مواجهاً مصيره المحتوم.