خالد علي.. في البدء كانت الثورة
تلقفت المنابر الإعلامية التي تأسست على قاعدة "دعم الشرعية" التصريحات واحتفت بها وأبرزتها، وتناقلها معارضو الانقلاب في الفضاء الإلكتروني، باعتبارها عتادا هائلا في ترسانة الحرب على الانقلاب.
وما حدث مع خالد علي، وهو من هو في نضال الثورة المصرية من أجل الحرية والكرامة والعدل، حدث قبل ذلك مع ناشطين سياسيين ينتمون إلى تيارات أخرى، غير الإسلام السياسي، يدلون بتصريحات ضد سلطة الانقلاب فتهرع سيارات البث لنقلها على أوسع نطاق، وبحفاوة بالغة.
والحاصل أن بعضهم يقر في وعيه الداخلي بأن تصريحات من هذا النوع، حين تصدر من شخصيات من هذا النوع، أكثر تأثيرا وأوسع وصولا مما يقال في ألف ساعة من حديث معارضي الانقلاب، الذي لا يتجاوز تأثيره حدود قائليه ومشاهديه ومستمعيه، الثابتين.. ويعرف قبل غيره أن اقتراب شخصيات من مختلف ألوان الطيف السياسي المصري من أسوار سلطة الانقلاب، لهو مؤشر على أنه بالإمكان استعادة الأمل في تحقيق معادلة ثورية حقيقية وناجعة، كتلك التي تألقت في 18 يوما خالدة من يناير/ كانون ثاني 2011.
الغريب أنه بعد الحفاوة، والتعلق بهكذا تصريحات، كما يتعلق الغريق بقشة، تعود منصات الحمق، لتقصف كل من يفكر في استعادة حالة انصهار ، يتجاوز الحدود الضيقة للفصيل الواحد، الذي يردد أتوماتيكيا عبارات "عودة الشرعية" إلى براح الثورة، التي كانت وستبقى هي الأصل والجذر، بينما الشرعية فرع من الفروع، أو يمكنك القول إن "الشرعية" بنت "الثورة" ودون استعادة الثانية، لن تعود الأولى، على أي نحو من الأنحاء.
وإن هي إلا ساعات بعد التداول المكثف لتصريحات، خالد علي أو أحمد ماهر ، أو أي من الشركاء الأصليين في ثورة يناير، حتى تعاود ماكينات العزلة والإقصاء، رش كل من يقترب من فكرة إعادة بناء جبهة يناير(الحقيقية وليست المزيفة) بالمياه وأحيانا بالنار، وتنطلق مجددا تلك النغمة السخيفة عن الذي خان والذي باع، والذي تحالف مع العسكر، على الرغم من أن كل الأطراف ارتكبت الأخطاء ذاتها، مع التسليم بأن من الأخطاء، ما يصل لمستوى الخطايا والجرائم، وبالأخص فيما يتعلق بالارتماء في أحضان الدولة العميقة، وصولا إلى لحظة الثلاثين من يونيو/ حزيران البائسة، يستوي في ذلك الفريق الذي لم يكن يساوره شك في أن "العميقة" ستحميه من أطماع الثوار السابقين المتقاعدين، المنتقمين من ثورة لم تحملهم إلى سدة الحكم، أو ذاك الفريق الذي سلم ثورته وإرادته ومدخراته الجماهيرية إلى "العميقة" كي تسقط له نظاما، لا يطيق أن يراه في الحكم.
أدرك أن جرح السكوت المتواطئ، بل والتحريض المبطن، على مذابح رابعة وأخواتها، لا يزال غائرا وساخنا ومؤلما، لكني أدرك أيضا أن استمرار هذه الحالة من الانكفاء على الذات الجريحة، وإحراق ما تبقى من أرضية ثورية مشتركة، هو عمل لا يخدم سوى مؤسسة الانقلاب، سواء كان ذلك بوعي، أو بدون وعي، ومردوده الوحيد أنه يطيل عمر سلطة تلوثت أيديها بالدماء، وباتت عبئا ثقيلا يؤرق ضمائر عدة، كانت سندا ودعما لهذه السلطة، وأخشى أنها حين تفكر في التراجع عن هذا المسار، تطل على المشهد فتجد مجموعات متناثرة، متناحرة، لا تفعل أكثر من تمزيق الثياب، وتبادل الطعنات، وتناول كؤوس التخوين.
لقد غضب بعضهم من شهادة تتعلق بحركة 6 أبريل، وكأن المطلوب من صاحب القلم أن يكتب على طريقة"ما يطلبه المستمعون" وليس ما رآه وعرفه، كما هو دون زيادة أو نقصان.. لم أقطع بحكم إدانة، أو براءة لأحد، فقط سردت واقعة حصلت، وكنت طرفا فيها، غير أن المسكونين بهاجس "نحن الملائكة والآخرون شياطين" لا يريدون قراءة إلا ما يدعم هذا الهاجس، ولتذهب الحقيقة إلى الجحيم، وينسى هؤلاء أن وقائع ما جرى، وإن كانت تدين ٦ أبريل، فإنها في الوقت ذاته تدين أولئك الذين لم يأخذوا تحذيرهم مأخذ الجد، واعتبروا أن "العميقة" في صفهم.
لقد نجحت يناير في خلع مبارك لأنها تأسست على قاعدة "الكل في واحد" وستسقط "يونيو" إن عاجلا أو آجلا كونها قامت على منطق عصابات المافيا "الكل على واحد" ولن تعود الثورة إذا كان هناك من يتمسك بوضعية"واحد ضد الجميع".