خروج مطار دمشق عن الخدمة
تعرّضت الأراضي السورية إلى هجوم إسرائيلي جديد قبل أيام، وما خرج عن المعتاد في هذا القصف استهدافه مطار دمشق الدولي، وهو أحد منشآت البنية التحتية الأساسية، وقد تعرّض إلى أضرار جسيمة، ما أجبر سلطات النظام على الإعلان عن إغلاقه حتى إشعار آخر، وألغيت رحلاتٌ كثيرة، وتحولت رحلات قادمة إلى مطارات أخرى .. اعتادت إسرائيل على استهداف مناطق عسكرية أو تجمعاتٍ لمليشيات إيران، وأحيانا تجمعات النظام. أما فيما يخص الهجمات على الأماكن الحيوية، فقد قصفت، في أواخر العام الماضي (2021) مستودعات وساحات تخزين تابعة لميناء اللاذقية البحري، من دون أن يؤثر ذلك على التحرّكات اللوجستية للسفن القادمة أو المغادرة للمرفأ. وفي العام 2018 جرى قصف مواقع قريبة جدا من مطار دمشق، وقالت إسرائيل حينها إن القصف استهدف مستودعاتٍ تابعة للمطار، تخزّن إيران كمياتٍ من السلاح فيها، وحدثت العملية من دون الإضرار بالمنشآت التابعة لخدمات المطار الملاحية، فبقي صالحا للاستخدام. لكن مدرّجات المطار، في الهجوم الأخير، أصيبت في ستة أماكن على الأقل، كما أظهرت صور جوية. وتشكّل هذه الضربة المباشرة، والموجهة إلى منشأة مدنيةٍ مهمة، انزياحا لافتا في الرسائل التي تريد إسرائيل إيصالها، فقد دأبت إسرائيل سابقا على ضرب التحرّكات والتجمّعات الإيرانية، في رسالةٍ واضحةٍ وحاسمةٍ إلى إيران بأنها ممنوعةٌ من التمركز العسكري القوي في سورية، وقد كان الروس متواطئين، إلى حد كبير، مع هذه الرسالة، ولكن هذه المرّة تبدو رسالة إسرائيل موجّهة إلى بشار الأسد شخصيا، أنه سيدفع ثمنا باهظا من رأس المال السوري إنْ لم يفعل شيئا حيال الوجود الإيراني، فالمطار منشأة سورية، وتحت سيطرة النظام، ويؤدّي خدمات للسوريين، وتوقفه عن العمل، وإنْ مؤقتا، سيزيد من الضغط على النظام، وتعتقد إسرائيل أنها بذلك ستُجبره على إعادة التفكير في سياسته الحالية تجاه إيران.
لقد تلقّت إيران الموجودة في سورية سيلا من الهجمات الجوية المؤثرة، من دون أن يظهر أنها غيرت نياتها في التمركز القوي داخل سورية، والوقوف المسلّح بالقرب من الحدود "الإسرائيلية"، وهي سياسةٌ نهائية لن تتراجع عنها، طالما كانت قادرة على ذلك، وإسرائيل في هذه الضربة تجرّب سياسة أخرى بإجبار الأسد على مواجهة إيران وتقليص نفوذها. ولكن لا يبدو أن الحساب الإسرائيلي صحيحٌ إلى درجة كافية، فالثمن الذي يمكن أن يدفعه الأسد في حال حاول إيقاف إيران سيكون أكبر بكثير من الثمن الذي يتكلفه من الهجوم الإسرائيلي الجوي، حتى لو غيّر الإسرائيليون تكتيكاتهم، وبدأوا بضرب منشآت سورية مهمة كالمطار، فإيران، عبر السنوات العشر السابقة، أنقذت رأس الأسد وهو يعرف ذلك، ومن غير الممكن أن يستطيع، بعد كل تلك السنوات، الإقدام على هذا النوع من المواجهة. ولا بد أنه يفضل أن يجد سورية، بمنشآتها كاملة، كومة من الخردة على أن يواجه إيران، وهو قد خسر أكثر من 40% من سورية، وما زال متمسّكا بسياسته ذاتها.
ولو أراد الأسد، بالفعل، أن يحجّم الدور الإيراني في سورية نتيجة خوفٍ من ضرباتٍ إسرائيليةٍ أكثر إيلاما، أو حتى إن تغير مزاجه السياسي، وأراد تسويق نفسه قليلا، فإنه غير قادر بالفعل على ممارسة هذا الدور، بعد أن دخل في حالةٍ سياسيةٍ منكسرةٍ أصابها الخوار الشديد. وإن فكّر باستثمار الوجود الروسي لصالحه، فالأمر حاليا لن يكون مُجديا، لانشغال الروس بجبهةٍ تبدو لهم أكثر أهمية، وهم يرغبون بالحفاظ على الوضع الروسي الحالي في سورية كما هو، من دون تغييرٍ حاسمٍ يؤدّي إلى خلخلة الدور الإيراني. وإذا جمع لهذا كله عدم توقيع الاتفاق النووي فعلى الأغلب ستتكاثف الهجمات الإسرائيلية، وتصيب أماكن حيوية وحسّاسة، لكن من دون أن تصل بالطبع إلى تهديد وجود النظام ذاته على الكرسي.