"داعش" بين لبنان ومصر

17 نوفمبر 2014
+ الخط -

بادرة علمية جديدة، قام بها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أخيراً، لا شطط في اعتبارها بالغة الأهمية في أتون اللحظة العربية الراهنة، تمثلت في استطلاعٍ للرأي العام العربي بشأن "داعش" أنجزه المركز، كشف معطيات مثيرة، أضاءت على نظرة المجتمعات العربية للتنظيم المذكور والتحالف الدولي العسكري ضده. ولعل النتيجة الأهم للاستطلاع تأكيده ما كان قد ذهب إليه مثقفون عرب مرموقون، هو أنَّ لا مستقبل لـ"داعش"، لأن ممارسات هذا التكوين المفاجئ في جسد المشرق العربي تُخالف الطبائع البشرية، وتعاكس فطرة المواطن العربي وتطلعاته وأولوياته. إذ نظرة 85% من المستجوبين سلبية، وسلبيةٌ إلى حدٍّ ما، تجاه "داعش"، ولدى 11% فقط إيجابية. وفيما ينتهي الجهد التحليلي لمثقفين مرموقين إلى أن "داعش" نتاج المنطقة العربية وصراعاتها ومفاعيل ثقافية وسياسية في حوافّ مجتمعاتها، فإن الاستطلاع يكشف أن 20% من العرب فقط مقتنعون بذلك، وأن 69% يرونها صناعة خارجية.
استجوب الاستطلاع عيناته الشهر الماضي (أكتوبر)، ولأنه غير مسبوق في راهنية قضيته واتساع ساحاته، إذ وقف على اتجاهات الرأي العام في موضوعه في سبعة مجتمعات عربية، فإن كشوفاته تثير رغبة قوية بتحليلها ودرسها. ومن المثير فيها أنه فيما الأغلبية تؤيد ضربات التحالف الدولي على "داعش" في العراق وسورية، بنسبة 59%، فإن الأشد حماساً لها هم اللبنانيون، ويصل تأييدهم بشدة لها إلى 68%، والأقل حماساً هم المصريون، فمع تأييدهم لها 46% إلا أن 6% يؤيدونها بشدة. والمعارضون لها في مصر 44%، فيما هم في لبنان 6%. ومع تأييد الأغلبية العربية هذه الضربات، إلا أن الثقة ضعيفة بأنها ستحقق أهدافها، ولا تتجاوز 22%، وإن كانت هذه الثقة تصل في لبنان إلى 41%، يرى منهم 34% أن التحالف يستطيع تحقيق أهدافه بشكل كامل. أما في مصر فإن 10% يرون ذلك، و37% يجدونه لا يستطيع على الإطلاق. وفيما يعارض 48% من المصريين ضربات التحالف، فإن 22% من اللبنانيين فقط لديهم هذا الموقف. وبشأن المشاركة العربية في التحالف، تصل معارضتها في العموم إلى 24%، غير أن ثلاثة أرباع الرأي العام اللبناني، يؤيد، ويؤيد بشدة، فيما 40% من المصريين يعارضون (الفلسطينيون أولاً، بنسبة 50%). كما أن 51% من الرأي العام اللبناني يؤيد بشكل قطعي مشاركة قوات أميركية وغربية برية قتال "داعش"، فيما المصريون الأكثر معارضة لذلك، وبنسبة 41%. وإذ يساند 60% من اللبنانيين مشاركة قوات عربية، فإن 21% من المصريين يرون ذلك.
تُرى، ما القصة، ما الذي يجعل المسافة واسعة، بل ومهولة، بين المزاجين المصري واللبناني في شأن "داعش" والحرب ضدها؟ وما الذي يجعلهما، في الوقت نفسه، يتطابقان تماماً في اعتبار أن إسرائيل التهديد الأكبر لأمن العالم العربي واستقراره (33% لكل منهما) فيما تهديد التنظيمات الإسلامية المسلحة يحوز في مصر على 7% وفي لبنان على 18%. ومدهش أن إيران تهديدٌ في مصر بنسبة 22% وغير مدهش، ربما، أن تهديدها له 6%. ما القصة في هذا كله؟ تُراه الإيذاء الملموس الذي تقترفه داعش وأشباحها في لبنان وضد جنوده وحدوده، فيما مخاطر هذا التنظيم الإرهابي في مصر غير منظورة؟ ولكن، ثمّة زوبعة في مصر ضد الإرهاب، تستنفر المجتمع وتطالبه بأن ينخرط فيها، البادي أن محاولة دس داعش في غضونها لا مطرح لها. والأوضح أن قصة الإرهاب ومخاطره القادمة من الخارج لا تلقى هوىً في المزاج المصري العام، فيما هي في لبنان قصةٌ أولى وكبرى، بالتعبئة والتحشيد الحادثين من أكثر من طرف، ولأكثر من غرض، أما تحشيد الإعلام المصري والأجهزة السيادية إياها في الدولة المصرية، فالأوْلى أن يُخيّط في غير هذه المسلّة.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.