رادارات إسرائيلية في الخليج
تضلّلنا القناة التلفزيونية الإسرائيلية 12، عندما تشيع، ساعاتٍ بعد اختتام نفتالي بينت زيارته، الخميس الماضي، أبوظبي، أن الجيش الإسرائيلي "نشر منظومة رادار في عدة دول في الشرق الأوسط، بما فيها الإمارات والبحرين، لمواجهة تهديدات إيران الصاروخية، ..". وربما ليس تضليلا وحسب، وإنما أيضا كذبٌ وتدليس، فالإيحاء الذي يصل إلى منزلة التأكيد أن البلدين المذكوريْن، العربيين الخليجيين، وحدَهما اللذان يستضيفان المنظومة الإسرائيلية، وربما معهما سوقطرى التي كانت القناة نفسُها قد أذاعت، في يوليو/ تموز 2021، أن الإمارات يسّرت لإسرائيل إقامة "قواعد ومرافق عسكرية واستخبارية" فيها، وهي الجزيرة اليمنية التي تسيطر عليها. وعندما تنفرد حكومة أبوظبي، وحدَها من بين الحكومات العربية، في عدم التنديد (أو التعليق أقله) بقتل شيرين أبو عاقلة، وعندما لا تستشعر حرجا من إعلان بكين وبرلين وباريس وواشنطن (... إلخ) شجبها الواقعة، فيما تعتصم بالصمت بشأنها، وعندما تنشط في استضافة حاخاماتٍ ليحاضروا عما تسمّيها "الديانة الإبراهيمية"، وفي استقدام رؤساء مجالس المستوطنات لتوقيع اتفاقيات استيراد "خمور هارخوما" وغيرها من منتوجاتهم، وعندما لا نقدِر، نحن أهل الإعلام، على ملاحقة أخبار الاتفاقيات التجارية والمالية والاستثمارية والتعليمية والسياحية و... (اتفاقية تجارة حرّة أخيرا) بين دولة الاحتلال والإمارات، ... عندما تتدافع هذه الأخبار، ومثلها الكثير، لا يصير مفاجئا، ولا باعثا على الاندهاش، هذا المدى البالغ الخطورة الذي يعبُر إليه التحالف الأمني والعسكري والاستخباري الإماراتي مع إسرائيل، ومن تمثيلاته، أخيرا، منظومة الرادارات المسرّب خبرُها بصيغة غموضٍ ماكر.
ولكن، ما العمل؟ تُجيز قيادة الإمارات، ومعها البحرين، التمادي بعيدا في الإجهاز على ما قد يكون قد تبقّى من معنىً لما سمّيناه طويلا "الأمن القومي العربي". هناك أوهامٌ متوطّنةٌ في أفهام الحاكمين في أبوظبي والمنامة أن إسرائيل هي التي في وسعها حماية الخليج من تهديدات إيران التي يتزايد التبادل التجاري بينها وبين الإمارات باضطرادٍ لافت، إذ سجّل نحو 20 مليار دولار، في عام واحد أخيرا. وذلك فيما يعلن قائد القوات البحرية الإيرانية في الحرس الثوري، الأدميرال علي رضا تنكسيري، من جزيرة طنب الكبرى، الإماراتية المحتلة، أول من أمس السبت، أن حالةً من عدم الاستقرار في منطقة الخليج سيُحدثها وجود دولة الاحتلال فيها. والبديهيّ أننا، نحن العرب، وأهل دول الخليج الستّ في مقدّمتنا، لا حاجة فينا لمسؤولٍ إيرانيٍّ يقول لنا كلاما كهذا، فمن الحماقة أن يتصوّر أحدٌ أن إسرائيل حلٌّ أمنيٌّ في مواجهة أي تهديد لأي دولةٍ عربية. ولم يتزيّد أمين عام المبادرة الوطنية الفلسطينية، مصطفى البرغوثي، في مقاله في "العربي الجديد"، أمس، لمّا كتب إن هذا الاختراق الأمني الإسرائيلي في منطقة الخليج هو التطوّر الأكثر خطورةً في المنطقة العربية منذ احتلال العراق في العام 2003. ولم يجاف الحقيقة الأستاذ الجامعي، حسن نافعة، في تغريدته، أن الأجدر بالإمارات والبحرين، بدلا من أن تشعرا بمزيدٍ من الاطمئنان والأمن بعد نشر إسرائيل أنظمة راداراتها في أراضيهما، أن يشعرا بالقلق أكثر بعد خطوتهما المحفوفة بالمخاطر.
زياراتٌ متبادلة، بوتيرةٍ لا تتوقف، بين كبار المسؤولين العسكريين والأمنيين، الإسرائيليين والإماراتيين والبحرينيين، ومناوراتٌ بحريةٌ مشتركة، بين إسرائيل والولايات المتحدة والبحرين والإمارات، في البحر الأحمر، بل في الطريق الملاحي المؤدّي إلى قناة السويس كما نشر، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ودعم إماراتي تردّدت أخبارٌ عنه، أخيرا، لمشروعات نقلٍ برّي وبحري، مع الجانب الإسرائيلي، يهدّد حيوية قناة السويس، هذه كلها، ومثلها كثير، تعني، مضافةً إلى ما ذاع عن منظومة الرادارات الإسرائيلية، أنه في غير محلّه ذلك الظن أننا نعرف مدى القاع العربي الراهن، فالانكشاف المتسارع الذي تنشط فيه أبوظبي، وبروحٍ قياديةٍ لا تكلّ، في أخذ العالم العربي إلى الحضن الإسرائيلي، أشدّ روعا مما نخمّن أو نرجّح.
أين مصر؟ أين السعودية؟ في أيٍّ من مخازن جامعة الدول العربية تقيم وثيقة معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي بين الدول العربية الموقعة في 1950، وبروتوكولاتها اللاحقة؟ أي بلادةٍ صارت عليه جلودُنا السميكة، نقرأ أخبار رادارات إسرائيليةٍ في الخليج، فلا نرتعش .. جَزعا؟