ربيع الحرية وربيع كرة القدم وتوبة ممدوح حمزة
يصل الفريق المغربي اليوم، الرابع عشر من ديسمبر/ كانون أول، إلى المرحلة الأخيرة من اكتمال الربيع العربي الكروي، إذ بات على بعد خطوة من المنافسة على انتزاع كأس العالم، لأول مرة في تاريخ نحو ستة مليارات نسمة، هم عدد سكان قارتي آسيا وأفريقيا.
يتزامن اقتراب منتخب الشعب المغربي من صناعة ربيع كرة القدم العربية مع ذكرى انطلاق ربيع الحرية والديمقراطية للشعوب العربية من تونس في السابع عشر من ديسمبر/ كانون أول 2010، وامتداده إلى ربوع الوطن العربي بدءً بمصر ثم اليمن وليبيا والبحرين وسورية، فيما وضع العالم كله في ذلك الوقت أمام منعطفٍ تاريخيٍّ هائل، صنعته شعوب أذهلت الجميع، فصفّق لها من صفّق، وادّعى صداقتها ومحبّتها من ادّعى، وركب موجتها واستثمر في منجزها الثوري الحضاري من استثمر.
مرت 12 عامًا على صرخة التونسي، محمد البوعزيزي، في وجه الظلم الاجتماعي والقهر السلطوي، تلك الصرخة التي أيقظت أمة كاملة لتبحث عن حقوقها في الكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية والحرية والديمقراطية، غير أنه سرعان ما انتبه أوغاد النظام الدولي إلى خطورة أن يكون الشعب العربي حاضرًا في رسم خطوط العلاقات السياسية للدول العربية، على نحو يحرّر المفاهيم ويضبط المصطلحات، فيكون العدو عدوًا والشقيق شقيقًا وكذلك الجار والصديق، لتحضر فلسطين في كل التجمعات المليونية العربية بوصفها قضية الشعب العربي الأولى، ويحضر الكيان الصهيوني باعتباره العدو الأول والتاريخي لهذه الشعوب التي يتسع فهمها للحرية مشتملًا على الحلم بالتحرر من الاستبداد والقهر في الداخل، وكذا الحلم بتحرير فلسطين.
من هنا كان الثلاثون من يونيو/ حزيران 2013 في مصر تدشينًا لحربٍ انتقاميةٍ على الربيع العربي، تشنها أنظمة مكلفة ومدعومة من الأوغاد الدوليين الذين أصيبوا بالرعب من حضور الشعوب العربية، فكانت الضربات في وحشيتها وهمجيتها أشبه بأسلوب الصدمة والترويع الذي استخدمته واشنطن في تدمير العراق 2003، وكما انتقل الربيع من شعب تونس إلى الشعوب العربية الأخرى، اتّسع نطاق الحرب المجنونة على هذا الربيع من مصر، مارًّا بسورية واليمن وليبيا، عائدًة إلى تونس، لتنضمّ إلى معسكر الانقلابات والثورات المضادّة بعد أن كان مهد الثورات.
ومع الوقت، انفضّ الذين كانوا يدعون القرب والوصال مع الربيع العربي من حوله، وشيئًا فشيئًا راحوا يمدّون أنابيب المصالح والصفقات مع قتلة هذا الربيع، بل ويتسوّلون صداقتهم وشراكتهم في مواكب التطبيع الدافئ متحلقين حولة مدفأة غاز المتوسّط. وكما كتبت قبل عام مضى إن كل الأطراف التي كانت تباهي بالقرب من الربيع العربي وثوراته، وتتغنّى به، وتكتب فيه الملاحم والمعلقات، ضجّت منه، وقرّرت أن تسرع الخطى، في الاتجاه المضاد، وتبحث عن مصالحها في تلك المساحات المشتركة بينها وبين الحكومات التي قامت على أنقاض هذا الربيع، إذعانًا لمعطيات الأمر الواقع التي تنطق بأن الربيع العربي لم يبق منه إلا حطام تحته ذكريات مشتعلة.
في هذه اللحظة التي تعيش فيها أنظمة الانقلابات والثورات المضادّة ربيعها، تأتي تغريدة واحدٍ من صنّاع الحريق الذي التهم ربيع الشعوب الساعية إلى الحرية، يعلن فيها أسفه على ما فعل، ويطلب المغفرة من الله، فيكتب المهندس ممدوح حمزة، أحد الفاعلين في مشروع 30 يونيو في مصر: "لو كنت أعلم الغيب وما أصاب مصر وشعبها حتى الآن، ما كنت شاركت في 30/6/ 2013 ، أعتذر وأندم على مشاركتي وأرجو أن يغفر الله لي".
هذا الاعتراف هو الأشجع والأوضح خلال أكثر من عشرة أعوام مضت، ويكتسب أهمية استثنائية، بالنظر إلى من أطلقه، وإلى توقيت إطلاقه، فالرجل من الأسماء المؤثرة في ثورة يناير، والتي استسلمت، للأسف، لغواية انقلاب 2013، تلك الغواية التي قلت عنها، منذ سنوات بعيدة: مبتدأ القصة 30 يونيو/ حزيران 2013، والخبر والحال والمضاف والمضاف إليه: كل هذا الخراب .. كل هذا الدم .. كل هذا القبح.كانت، ولا تزال، جريمةً ضد الإنسان العربي.
.. وللحديث بقية تحتاج إلى تفصيل أكثر.