رسائل الصحافيين المصريين إلى السلطة
فوجئ الوسط الإعلامي المصري بنتائج الجمعية العمومية لنقابة الصحافيين المصريين، التي انعقدت يوم الجمعة الماضي. إذ رفض الصحافيون اعتماد ميزانية النقابة للعام الماضي (2022). كما جاءت انتخابات التجديد النصفي لأعضاء مجلس النقابة بتغيير جذري واسع في تركيبة المجلس، حيث أتت صناديق الاقتراع بالمرشّحين الأكثر رفضاً وانتقاداً للنموذج الرسمي المسيطر في المجال الصحافي منذ سنوات.
زاد عدد أعضاء النقابة في الأعوام القليلة الماضية من حوالي خمسة آلاف صحافي إلى ما يزيد عن تسعة آلاف. وجرت الزيادة كلها بواسطة النظام الحاكم الحالي، عبر شبهاتٍ كثيرةٍ أحاطت بإجراءات القيد ومدى استيفاء الأعضاء الجدد الشروط القانونية والمهنية اللازمة. وبينما كان المتصوّر أن يصوّت الأعضاء الجدد تلقائياً لصالح مرشّحي النظام، لم تجسّد النتائج الفعلية للتصويت هذا الافتراض. ما يعني أنه حتى الذين اكتسبوا العضوية على أعين الدولة، وأصبحوا صحافيين نقابيين بفضلها، لم يستطيعوا أو ربما لم يقبلوا تنصيب مرشّحها نقيباً، بل ولا التجديد لأعضاء سابقين في مجلس النقابة.
وللمرّة الأولى منذ ثماني سنوات، يُفجر صحافيو مصر ذلك القدر من الغضب والاستياء مما وصلت إليه أحوال نقابتهم العريقة. وبدا الإصرار على التغيير واضحاً على وجوه (ونقاشات) غالبية الحضور، الذين تجاوز عددهم خمسة آلاف صحافي، أي أكثر من 50% من إجمالي أعضاء النقابة.
ومن مؤشّرات عمق الغضب والاحتقان لدى جموع الصحافيين المصريين، رفضهم إقرار ميزانية النقابة عن العام الماضي، ليس اعتراضاً على محتواها، وإنما لعدم علمهم أصلاً بذلك المحتوى. إذ لم تُرسل نسخة من الميزانية إلى الصحافيين للاطّلاع عليها وليتمكّنوا من إبداء الرأي فيها. واعتبر أعضاء الجمعية العمومية هذا الخلل الإجرائي إهانة لهم واستهانة بأصواتهم، فكان رفض الميزانية وتأجيل التصويت عليها إلى الاجتماع المقبل، بعد أن يتلقّى الصحافيون نسخة من الميزانية.
إضافة إلى هذا الموقف الرمزي، جاءت اختيارات الصحافيين الأعضاء الجدد في مجلس النقابة غير متوقعة، بل غير مسبوقة، فقد جرى إسقاط الأعضاء السابقين باستثناء اثنين كانت لهما مواقف مشهودة معارضة للتغلغل الأمني والهيمنة الحكومية. ومن بين هؤلاء المُطاحين، أعضاء ثابتون في مجلس النقابة لأكثر من 12 عاماً.
أما المفاجأة الكبرى فتمثلت في منصب نقيب الصحافيين، فللمرّة الأولى منذ ثماني سنوات يختار الصحافيون المصريون نقيباً ليس مرشّحاً من الدولة وغير محسوب عليها. بل والأكثر دلالة، أن النقيب الجديد، خالد البلشي، يدير موقعاً إلكترونياً محجوباً في مصر!
وفي المقابل، دعمت كل أجهزة الدولة مرشّحها وحشدت خلفه كل أذرعها وأدواتها. إلى حد أن قيادات المؤسّسات الحكومية ورؤساء التحرير حرصوا على اصطحاب العاملين في صحفهم والذهاب إلى مقرّ التصويت أفواجاً لكيلا يتخلّف أحد. وبعد أن طغت الثقة المفرطة على المرشّحين الحكوميين، سواء للعضوية أو لمنصب النقيب، مثلت النتائج تصويتاً عقابياً لتلك الاختيارات أشخاصاً وتوجّهات.
لا يعني ذلك بالضرورة أن النقيب والمجلس الجديد سينجحان في استعادة مكانة النقابة وهيبة الصحافة واستقلاليتها. لكن المغزى المهم، الذي يجب أن تدركه عقول السلطة في مصر وآذانها، هو أن ثمة خللاً جوهرياً في طريقة إدارتها المجال العام في مصر. ليس فقط على مستوى الشارع والرأي العام، لكن أيضاً والأخطر، على مستوى النخب وقادة الرأي، فإن جاز، على سبيل الاستثناء، توجيه الشعب مؤقتاً بحكم انتشار الأمية وغياب الوعي وانحدار الثقافة، فلا يجوز التعامل بالتعالي ذاته وفرض الوصاية على النخب عموماً، والنخبة الإعلامية خصوصاً. وحين يجرى اختيار أشخاصٍ لا يقلّون سوءاً عن السياسات، يكون الفشل حتمياً لكليهما، طال الزمن أو قصر.