رُهاب السحّاب
يتعرّض السياسيون لمواقف كثيرة محرجة في أثناء حياتهم السياسية، فذلك ينحني ليضع إكليلاً من الزهور على قاعدة نصبٍ ما، أو عند قاعدة شعلة خالدة فيتعرّف الناس على لون لباسه الداخلي، لأنّ سرواله مفروطٌ كما تظهر لنا الكاميرا التي لا تتمكّن من تصحيح زاوية التصوير، قبل أن يكون الأمر قد انفضح، وتلك تغافلها الريح فترفع لها ثوبها في أثناء مراسم الاستقبال، وذلك يتعثّر ويسقط أرضاً وغير ذلك الكثير مما يخطر ولا يخطر في بال.
في أثناء مباحثات مؤتمر طهران التي جرت من أجل فتح الجبهة الثانية في الحرب العالمية الثانية (28 نوفمبر/ تشرين الثاني – 1 ديسمبر/ كانون الأول 1943)، وفي إحدى الجلسات، أرسل وزير الخارجية البريطاني، أنتوني إيدن، قصاصة إلى رئيس الوزراء تشرشل الذي فتحها وقرأها بعنايةٍ ثم أحرقها وأشعل بها سيجاره، وعقب قائلاً على ما قرأه في القصاصة: النسر العجوز لن يطير من العش.
وبسبب التوتر الذي كان سائداً في تلك الفترة، كانت لأية كلمة تقال معنى. ولذلك، انشغلت الدوائر الدبلوماسية في محاولة تفسير ما قاله تشرشل، وما هو المقصود من هذا الكلام الغامض، وعلاقته بفتح الجبهة الثانية وإلى آخره، لكنّ أحداً لم يتمكّن من فك الشيفرة، وهكذا بقي الأمر سرّاً إلى ما بعد الحرب بسنوات، حين زار خروتشوف لندن، والتقى وزير الخارجية البريطاني، أنتوني إيدن الذي أرسل القصاصة إلى تشرشل حينها، فسأله عن سر العبارة التي أطلقها تشرشل ردّاً على ما ورد في القصاصة، فأوضح له إيدن بأنّ سحّاب بنطال تشرشل كان مفتوحاً في تلك اللحظة، فأرسل هو إليه قصاصة ينبهه فيها إلى ذلك، فرد عليه تشرشل بأنّ "النسر العجوز لن يطير من عشّه".
وخلال زيارته بريطانيا، في بداية شهر مارس/ آذار الجاري، لحضور قمّة عن تغير المناخ العالمي، وفي أثناء محادثة قصيرة مع زوجة الأمير تشارلز، كاميلا باركر بولز، في أثناء حفل استقبال أقيم هناك، أطلق الرئيس الأميركي، جو بايدن، ريحاً أصدر صوتاً سمعه الحضور، ما أثار خجل زوجة الأمير، وتسبّب بالحرج لبايدن نفسه الذي يبدو أنّه كان يسعى لكي تخرج الغازات من دون إصدار صوت، لكنّ قوة الدفع كانت أكبر مما قدّرها، ما أدّى إلى خروج صوت مجلجل لم يتوقع بايدن شدّته. وسائل الإعلام البريطانية سخرت من الحدث، قائلة ما معناه إنّ الهدف من قمة غلاسكو كان خفض الانبعاثات، لكنّ بايدن "أنتج بعض الغاز الطبيعي الخاص به".
على المستوى العربي، فإنّ أشهر الأحداث الطريفة تلك الصور المسرّبة من مؤتمرات القمم العربية التي تُظهر معظم الزعماء يغطّون في نوم عميق أثناء جلسات القمة. أما جديد الإبداعات الطازجة في هذا المجال فكان سحّاب وزير خارجية الحكم في سورية، فيصل مقداد، الذي اقتدى بونستون تشرشل، ونسي أن يرفع سحّاب بنطاله وخاض في دبي المحادثات التي وصفت بأنّها تاريخية بسحّاب مفتوح.
ربما لا يوجد شخصٌ في العالم لم ينسَ سحّاب بنطاله مفتوحاً مرّة على الأقل في حياته، وعادة ما ينبّهه أحدهم إلى ذلك مداعباً فيرفعه وينتهي الأمر. أما أصحاب المناصب فسيتعرّضون للسخرية فترة طويلة، خصوصاً العرب، ذلك أنّ للمواطن العربي ما يشبه الثأر مع هذا المسؤول الذي يمثّل له عادة طغمة استبدادية، إن لم يكن ضحية لها بشكل مباشر فهو ضحية لرهاباتها الكثيرة. ولأنّه عاجزٌ عن محاسبتها قانونياً إلى درجة أنّه لا يملك حق انتخابها وعزلها مهما ارتكبت من الموبقات، فإنّه يجد في هذه الأخطاء مناسبة ملائمة للانتقام من هذه الشخصيات، وعبرها من السلطة الغاشمة التي يمثلها، ولن يوفر فرصة للشماتة فيها، حتى إن كان ذلك زلّة لسان، فما بالك إذا كان سحّاباً مفتوحاً لشخصٍ يبدو في منتهى الجدّية في اجتماعٍ يبدو أنّه في غاية الأهمية. ولا شك أنّ المفارقة الساخرة في مثل هذه الحالات ستكون مضحكة للغاية، ولن يوفر الجمهور الذي أبكته هذه الطغم طويلاً فرصة الضحك منها، نوعاً من التعويض عما تسبّبت به له.