سقطة لبنان في اليونسكو

26 أكتوبر 2017
+ الخط -
صحيحٌ تماماً أن الحكم في مصر تجنّد من أجل إحباط أي فرصٍ لنجاح مرشح دولة قطر لموقع مدير منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، حمد بن عبد العزيز الكواري. والأرجح أن القاهرة ما بادرت، متأخرةً، إلى ترشيح مشيرة خطاب، إلا للتشويش على طموح قطر أن يتولى أحد مثقفيها ودبلوماسييها المنصب الدولي الرفيع. وبعيدا عن تفاصيل كثيرة، صار بعضها معلوما، أمكن القول إن مصر لم تفلح تماما في غرضها هذا، وإنْ سوعدت بضغوطٍ ورشاوى مالية وسياسية من غير دولةٍ عربيةٍ، خارج المجلس التنفيذي لليونسكو (58 عضوا)، بدليل أن الكواري ظلّ في المرتبة الأولى بين المرشحين المتنافسين في جولات التصويت الأربع، وكان قريبا جدا من الفوز في الجولة الخامسة الأخيرة الحاسمة.
أما وقد صار هذا كله وراءنا، وصار محفوظا كل الكلام (الرتيب؟) عن عدم تنسيق العرب وتوافقهم في معركة أن يتولى واحدٌ منهم الموقع الأول في المنظمة الأممية المعنية بالثقافة والتعليم في العالم، وعن حقهم بذلك، باعتبارهم يمثلون ثقافةً حاضرةً في المجتمع الإنساني، أما وأن أرطالا من الكلام في هذا كله راحت إلى الأرشيف العربي إياه، فإن ما يصبح أدعى إلى التبصّر فيه، وتبيّن ما جرى في غضونه، هو تصويت الدول العربية الأعضاء في المجلس التنفيذي في اليونسكو في جولة الحسم الخامسة، بين الكواري والفرنسية من أصل مغربي أودريه أزولاي، لا لشيءٍ إلا لأن صوت دولةٍ عربيةٍ (لبنان) راح إلى أزولاي، من دون مسوّغٍ مفهوم، بل كان سلوكا خارج المتوقع، وخارج المواضعات العربية التي كان الظن أن مقادير منها ما زالت باقية، وأن صانع القرار في بيروت يوليها بعض القيمة. 

أعطت قطر والجزائر وعُمان والسودان أصواتها للكواري، فيما نالت أزولاي أصوات مصر (وهذا طبيعي بالنظر إلى حربها الكونية المعلنة ضد قطر) والمغرب (لاعتبار براغماتي يأخذ في الاعتبار أن المرشحة الفرنسية مغربية أساساً) ولبنان الذي كان مفهوما أن يعمل من أجل مرشحته قبل انسحابها، النصف لبنانية والنصف فرنسية، نائب ممثل جزيرة سانتا لوشيا في اليونسكو، فيرا خوري لاكويه، بل وكان مفهوما، بعد هذا الانسحاب، أن يصطفّ مع مرشحة مصر، وأن يدعو إلى انتخابها، غير أن ما يحتاج إلى أن يصبح مفهوما أن يختار لبنان الفرنسية أزولاي بدلا من القطري حمد الكواري، فالمعلوم أن لبنان دولةٌ عربية، إلا إذا كان رئيس الحكومة ووزير الخارجية اللبنانيان، سعد الحريري وجبران باسيل، طالعا برنامجي المتنافسيْن، أزولاي والكواري، الانتخابيين من أجل النهوض باليونسكو، فاقتنعا بأطروحة أزولاي، وهذا أمرٌ أقرب إلى الكاريكاتير طبعاً.
لو ذهب صوتُ لبنان إلى المرشح العربي، لتساوى حصاد المتنافسيْن عند 29 صوتا لكل منهما، وذهبا إلى القرعة (أو جولةٍ مضافة؟)، وعندها ربما فاز حمد الكواري، (وأُسقط في أيدي نظام السيسي وأصحابه)، غير أن الأهم، في هذا المطرح، هو إيضاح سلوك الدولة اللبنانية في شأنٍ عربيٍّ عام (يراه ذوو نظر قصير شأنا قطريا). وكان الاشتباه في هذا السلوك، عقب نتيجة تصويت 13 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، موضع تخمينٍ يقترب من التأكيد، ولم يكن لمعلقٍ في صحيفةٍ سيّارة، كما صاحب هذه الكلمات، أن يأتي على هذا الأمر، لو ظلّ في هذا المطرح، حتى بقّ الوزير والسفير القطري، حمد بن عبد العزيز الكواري، البحصة، وأعلن الأسبوع الجاري، في مقابلةٍ مع تلفزيون العربي، بصراحةٍ موجوعة، من دون تحفّظٍ أو تحرّزٍ، خيبته واستهجانه الشديدين من فعلة لبنان، والتي تنتسب، ربما، إلى الأزمة الخليجية، فكانت ورقةٌ الاقتراع البيروتية الأخيرة في موقعة اليونسكو مصريةً إماراتيةً سعودية.
للتذكير فقط، طمح المفكر اللبناني، غسّان سلامة، إلى أن يتبنّى بلده، مبكراً، ترشيحه للتنافس على منصب مدير عام اليونسكو، وسوند الرجل، وهو وجهٌ دوليٌّ معروف، بالتفاف مثقفين رفيعين من أجل ذلك، إلا أن عباقرةً في الحكومة دفعوا الموظفة في جزيرة سانتا لوتشيا إلى المنافسة. وفي جولة التصويت الأولى حصلت هذه على ستة أصوات، ثم نصحها سعد الحريري ووزير الثقافة غطاس خوري بالانسحاب، إلا أن وزير الخارجية طلب منها البقاء، فنالت في الجولة الثانية ثلاثة أصوات، وأربعةً في الثالثة، قبل أن تنسحب.. ثم صارت "السقطة" المستنكرة، ووحده التأدّب هنا يسميها سقطةً، فيما هي تستحق تسميةً أخرى، أثقل وأمضى.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.