13 نوفمبر 2024
شهداء بلا مسلسلات
تتسع قوائم الشهداء من الأطباء والممرّضين في مصر، حتى صار الإعلان عن وفاة طبيب أو ممرّضة في ميدان المعركة ضد وباء كورونا خبرًا عاديًا، في ظل ظروف عملٍ بالغة الصعوبة، يزيد من صعوبتها ندرة الإمكانات، ناهيك عن انشغال الحكومة بلوثة الاختيار، ليس فقط ذلك المسلسل الدرامي الاستعراضي، وإنما اختيارها شعار المعركة من قبل أن تبدأ المواجهة مع الوباء.
مبكرًا جدًا، واستباقًا للأحداث، وقع اختيار نظام عبد الفتاح السيسي على المواطن، ليكون مسؤولًا عن أي إخفاق قادم أو فشل محتمل في معركة كورونا، ثم تفرّغ للاستثمار السياسي والتشريعي والأمني، فضلًا عن التربّح التجاري والاقتصادي من الجائحة، ليتم تحميل أجيال قادمة نحو مليارين وثمانمائة ألف دولار إضافية، ديونًا لصندوق النقد الدولي.
في كل دول العالم، يتقدّم الأطباء الصفوف في معركة كورونا، إلا في مصر، حيث تتحوّل المسألة إلى شأن أمني وعسكري، لا تلمس جدّية وصرامة فيه إلا إذا رصدت عيون النظام السرية شخصًا أو مجموعة أشخاص يؤدّون الصلاة في حديقة منزل أو أعلى سطح بيت، هنا فقط تدور الماكينة الأمنية والقانونية، ليصير الأمر قضية مساسٍ بالأمن القومي أمام نيابة أمن الدولة العليا.
وفي هذا الطقس البوليسي العسكري العاصف، تسلك السلطة مع الأطباء على نحو متعجرفٍ ومهين من كل الوجوه، إذ لا إمكانات ولا حماية أو تقدير، وقبل ذلك وهو الأهم، لا صوت يعلو فوق صوت الجنرالات، فحين تطلب نقابة الأطباء حظرًا شاملًا مدة أسبوعين، يكون الرد الرسمي إجراءات محرّضة على الزحام والاختلاط والفوضى، إن في المواصلات العامة أو المرافق الحكومية، مع إلحاح على اجترار الشعار المرفوع منذ اللحظة الأولى: المواطن هو السبب لو أخذت الأمور شكلًا كارثيًا.
الأخطر أن السلطة في مصر تنظر طول الوقت باستهانة إلي الأطباء، هي الاستهانة ذاتها التي تمارسها ضد الجنود والضباط الصغار الذين تدفع بهم إلى حربٍ مجنونة يريدها عبد الفتاح السيسي مشتعلةً وقائمة في سيناء مدى الحياة، ليبقى مستفيدًا وحيدًا، يظهر في مشاهد مكرّرة يحمل طفلا شهيدا أو يذرف دمعة اصطناعية أمام الكاميرا أو ينتج مسلسلات، ظاهرها الاعتزاز بتضحيات الشهداء، وجوهرها تمجيد سياساته ونظرياته الفاسدة في الحكم، من خلال دراما تقضي حاجتها في وعي مشاهدٍ مغلوبٍ على أمره، يعلم يقينًا أن حياته قد تكون مهدّدة لو عبر عن عدم اقتناعه بمسلسلات الزعيم الملهم.
في موعد ثابت، يخرج البريطانيون كل مساء، في الشرفات وأمام المنازل بالشوارع، يتقدّمهم زعماء الحكومة والمعارضة لتحية الأطقم الطبية، وتقديم الشكر على ما يقومون به من دور إنساني ووطني، وإضاءة الشموع على أرواح شهداء معركة الفيروس، بينما في مصر كل شيء يبدأ وينتهي عند الجيش والشرطة، حالة أشبه بعبادة الأوثان الأمنية، من المنطقي معها أن تصبح معركة دفن طبيبٍ مات بكورونا أصعب من معركة مواجهة كورونا نفسه، ومن الطبيعي أن تستثمر جنازة الطبيب الشهيد في قصف الوعي العام بعبواتٍ جرثوميةٍ، يتم ترويجها على مواقع التواصل الاجتماعي، من نوعية أن الطبيب الذي يعمل في مواجهة الفيروس يمثل خطرًا على المجتمع، بوصفه مصدر عدوى متحركًا.
هؤلاء الأبطال الحقيقيون، من شهداء الطب رحل منهم أكثر من عشرة حتى الآن، لا يقف عند أسمائهم وتضحياتهم أحد، ولا يكرّمهم أو يحتفي بهم إعلام، أو يعاملوا معاملة شهداء المعارك. وبالطبع، لن تكتب عنهم أعمال درامية، معبأة بكل أوهام وأحلام وأكاذيب الزعيم الملهم، الخاصة بمعركة عنوانها "الحرب على الإرهاب"، بينما هي في الحقيقة حرب على الإنسان، مواطنًا عاديًا أو طبيبًا أو جنديًا.
مبكرًا جدًا، واستباقًا للأحداث، وقع اختيار نظام عبد الفتاح السيسي على المواطن، ليكون مسؤولًا عن أي إخفاق قادم أو فشل محتمل في معركة كورونا، ثم تفرّغ للاستثمار السياسي والتشريعي والأمني، فضلًا عن التربّح التجاري والاقتصادي من الجائحة، ليتم تحميل أجيال قادمة نحو مليارين وثمانمائة ألف دولار إضافية، ديونًا لصندوق النقد الدولي.
في كل دول العالم، يتقدّم الأطباء الصفوف في معركة كورونا، إلا في مصر، حيث تتحوّل المسألة إلى شأن أمني وعسكري، لا تلمس جدّية وصرامة فيه إلا إذا رصدت عيون النظام السرية شخصًا أو مجموعة أشخاص يؤدّون الصلاة في حديقة منزل أو أعلى سطح بيت، هنا فقط تدور الماكينة الأمنية والقانونية، ليصير الأمر قضية مساسٍ بالأمن القومي أمام نيابة أمن الدولة العليا.
وفي هذا الطقس البوليسي العسكري العاصف، تسلك السلطة مع الأطباء على نحو متعجرفٍ ومهين من كل الوجوه، إذ لا إمكانات ولا حماية أو تقدير، وقبل ذلك وهو الأهم، لا صوت يعلو فوق صوت الجنرالات، فحين تطلب نقابة الأطباء حظرًا شاملًا مدة أسبوعين، يكون الرد الرسمي إجراءات محرّضة على الزحام والاختلاط والفوضى، إن في المواصلات العامة أو المرافق الحكومية، مع إلحاح على اجترار الشعار المرفوع منذ اللحظة الأولى: المواطن هو السبب لو أخذت الأمور شكلًا كارثيًا.
الأخطر أن السلطة في مصر تنظر طول الوقت باستهانة إلي الأطباء، هي الاستهانة ذاتها التي تمارسها ضد الجنود والضباط الصغار الذين تدفع بهم إلى حربٍ مجنونة يريدها عبد الفتاح السيسي مشتعلةً وقائمة في سيناء مدى الحياة، ليبقى مستفيدًا وحيدًا، يظهر في مشاهد مكرّرة يحمل طفلا شهيدا أو يذرف دمعة اصطناعية أمام الكاميرا أو ينتج مسلسلات، ظاهرها الاعتزاز بتضحيات الشهداء، وجوهرها تمجيد سياساته ونظرياته الفاسدة في الحكم، من خلال دراما تقضي حاجتها في وعي مشاهدٍ مغلوبٍ على أمره، يعلم يقينًا أن حياته قد تكون مهدّدة لو عبر عن عدم اقتناعه بمسلسلات الزعيم الملهم.
في موعد ثابت، يخرج البريطانيون كل مساء، في الشرفات وأمام المنازل بالشوارع، يتقدّمهم زعماء الحكومة والمعارضة لتحية الأطقم الطبية، وتقديم الشكر على ما يقومون به من دور إنساني ووطني، وإضاءة الشموع على أرواح شهداء معركة الفيروس، بينما في مصر كل شيء يبدأ وينتهي عند الجيش والشرطة، حالة أشبه بعبادة الأوثان الأمنية، من المنطقي معها أن تصبح معركة دفن طبيبٍ مات بكورونا أصعب من معركة مواجهة كورونا نفسه، ومن الطبيعي أن تستثمر جنازة الطبيب الشهيد في قصف الوعي العام بعبواتٍ جرثوميةٍ، يتم ترويجها على مواقع التواصل الاجتماعي، من نوعية أن الطبيب الذي يعمل في مواجهة الفيروس يمثل خطرًا على المجتمع، بوصفه مصدر عدوى متحركًا.
هؤلاء الأبطال الحقيقيون، من شهداء الطب رحل منهم أكثر من عشرة حتى الآن، لا يقف عند أسمائهم وتضحياتهم أحد، ولا يكرّمهم أو يحتفي بهم إعلام، أو يعاملوا معاملة شهداء المعارك. وبالطبع، لن تكتب عنهم أعمال درامية، معبأة بكل أوهام وأحلام وأكاذيب الزعيم الملهم، الخاصة بمعركة عنوانها "الحرب على الإرهاب"، بينما هي في الحقيقة حرب على الإنسان، مواطنًا عاديًا أو طبيبًا أو جنديًا.