شيرين عبد الوهاب: بطلة من دون جمهور
لا أعرف مطربة أو مغنّية عربية تشبه نفسها بقدر ما هي شيرين عبد الوهاب، التي تتناقل وسائل الإعلام أخبارها بشكل يومي. ربّما هناك أيضاً اللبنانية إليسا، إنّما بمعايير مختلفة، وإنْ كانت اثنتاهما تمتلكان لغتيهما وقولهما إذا صحّ التعبير، ولا تسعيان إلى التماهي مع الصورة التي تُرضي جمهوراً عربياً يحاكم فنّانيه أخلاقياً وأدبياً، ويحكم عليهم شكلاً وسنّاً ومظهراً، كما لا يفعل أي جمهور آخر في العالم. يكفي أن يتابع المهتمّ منّا تعليقات المُعجبين في حسابات الفنانات في وسائل التواصل الاجتماعي، ليلحظ كم يفوق الاهتمام بمظهرهن الاهتمام بفنّهن. فالفنانة العربية، وهي ضحية جمهور شبه أمّي فنّياً في سواده الأعظم، ستُهاجَم لتقدّمها في العمر! فليس مسموحاً لها بأن تكبُر وتتغيّر، وإن فعلت، فالأفضل لها أن "تنضبّ". أما إذا لجأت المسكينة إلى مباضع الجراحين التجميليين، فـ"يا حرام كيف صارت"، "لأنّ الطبّ لن يُصلح ما أفسده الدهر". الحاصل؛ ما تقدّمه طرباً وتمثيلاً، وسواهما، ليس مهمّاً. المهمّ أن "تُرضي ربّنا وأذواق الجماهير!".
على عكس كثرة من زملائهم الغربيين الموهوبين، الذين يتبارون في إثبات فرادتهم وفرديّتهم، تمايزهم وتمرّدهم، نرى الفنّانين العرب يصطفّون ليطابقوا المطلوب. والمطلوب هو ألّا يكون لهم رأي، أن يكونوا مُحايِدين، مُعلِنين الولاء للسلطة، نظيفين بلا مزاج أو أهواء، بلا سوابق أو أخطاء، بلا زلّات قدم أو لسان، بلا إدمان، بلا ميول مختلفة، بلا أمراض نفسية، ناجحين في حياتهم العملية و"أولاد عيل"، وإلّا، فلا بدّ أن تنحتهم الشهرة، ويُشكّلهم المالُ في هذه الصورة. الفنّان العربي الجيّد هو الذي لا يَخدِشُ الآداب العامّة والحياء العام، وهذا لا يعني أنّ الجمهور ساذجٌ لا يدري بما يجري وراء الكواليس، لكن ما يجري هناك، يبقى هناك، في العتمة، في القاع، فهذا ليس شأنُه في الحقيقة، لأنّ الحقيقة لا تهمّه، ما يهمّه فقط هو الصورة وما يظهر في السطح.
اليوم، وحدها ربّما شيرين عبد الوهاب تشذّ عن القاعدة، فلا هي السيدة أمّ كلثوم المُتحكّمة في خطّ حياتها كما يفعل جنرال، ولا هي "القدّيسة" فيروز صاحبة الصوت السماوي، ولا صباح، الجميلة، اللعوب ضمن حدود الزواج والعلاقات الشرعية، ولا هي أيضاً زميلاتها الحاليّات اللواتي لا يهتممن سوى بجمالهن وأزيائهن ومجوهراتهن وحفلاتهن، ناسباتٍ إلى "رضا ربّ العالمين" نجاحَهن. فلشيرين هفواتٌ وزلّاتُ لسان عوقبت عليها، وهي لم تفقد يوماً بعفويتها بعض "طعامة سوقيّة" تميّز ابنة الشعب، ولها طلعات ونزلات كما يقال، وعذابات، وعلاقات مسمومة تحدّثت عنها، تعرّضت فيها للاستغلال والتعنيف الجسدي، وهي عانت من إدمان، وخوف من قرين يتحكّم بها ولا تقدر عليه سوى بتلاوة سورة قاف. هكذا حلّلت شيرين انهيارها العصبي وأزمتها وحلاقتها شعر رأسها، وصدمة الشهرة والثراء التي جعلت الطامعين من حولها كُثراً، بمن فيهم أقرب الناس إليها. تقول في لقائها مع عمرو أديب (بودكاست بيغ تايم) بحضور الفنّانة أصالة، إنّ عيناً أصابَتها، فكانت تخاف وتبكي من غير سبب، وفقدت صوتها، وهذا دليل وجود روح شرّيرة (القرين)، وإنّ ثمّة من "عملوا لها عمل"، فوضعوا في بابها صرّة فيها بودرة بيضاء ومفتاح غرفتها، وهذا أقفل كلّ شيء في حياتها، بما فيها علاقتها الزوجية. تحدّثت عن السحر الأسود، والثعبان الذي وُجد في شقّتها، والناس (30 – 40 شخصاً) الذين سرقوها وطردتهم دفعة واحدة، والمال الذي لا يعنيها كثيراً، وامتلاكها فدّانَي أرض تزرعهما كما كانت تفعل جدّتها. شيرين التي بدأت تعمل منذ سنّ الثالثة عشرة، و"تُسرَق" مذّاك كما قالت، أي منذ 25 عاماً، تكلّمت بشفافية، إنّما بمفردات ثقافتها الشعبية، وبما لديها من أدوات وعي لتفسير ما يحدث لها، لأنّ شيرين ليست مُثقّفة، وهي لا تمتلك لغة أخرى.
شخصية درامية جميلة هي شيرين عبد الوهاب، مُؤثّرة وحقيقية ومختلفة، ومن دون اصطناع، جديرة بالبطولة بصدقها وضياعها وتلقائيتها. امرأة من بيئة متواضعة دفعتها الحياة تحت الأنوار، فيما هي خلقت لتعيش ربّما في الظلّ حياة البسطاء. تذكّرنا بتراجيدية بعض الشخصيّات الفنّية الكبيرة، وقد عانت الأمرَّين في حياتها العامّة، والخاصة كذلك، وليست ويتني هيوستن آخر تلك الشخصيّات.