"طوفان الأقصى": ملاحظات أولية
من الصعب الكتابة الآن حول الحدث الاستراتيجي المتدحرج، والذي بدأ السبت في ساعات الصباح المبكّرة مع معركة "طوفان الأقصى". ولكن بات واضحًا أنّه حدث تاريخي مهمّ بالمفهوم العسكري، والسياسي والاستراتيجي، وستكون له دلالاته وتبعاته ونتائجه مع انقشاع غبار المعركة.
رغم ذلك، بعض الملاحظات السريعة والتي من الممكن التفكير بها الآن. أولى هذه الملاحظات، تكرار كلمة المفاجأة والمباغتة في كل وسائل الإعلام، وبكل اللغات، وعلى لسان عدد كبير جدًا من المحلّلين، مع أنّ ما جرى كان من المفروض ألا يفاجئ أحدًا.
ما جرى ويجري، حتى هذه اللحظة، يتماشى تمامًا مع قانون الفيزياء الذي نعرفه جميعًا، أنّ كثرة الضغط تؤدّي إلى الانفجار. عشرات سنوات الاحتلال والحصار واغتيال القيادات والقتل اليومي للناس وانتهاكات حرمات أبناء الشعب الفلسطيني وممتلكاته ومقدّساته، ذلك كله ليس من الممكن إلا أن يؤدّي إلى ردّة فعل. المفاجأة الحقيقيّة قدرة التحمّل للشعب الفلسطيني إلى أن وصل إلى نقطة الانفجار.
الملاحظة الثانية هي عن العقلية العنصرية الإسرائيلية، والتي تتعامل مع الفلسطينيين والعرب بفوقيّة وعنجهية رهيبة، والأسوأ من هذه العقليّة تعوّد بعض العرب والفلسطينيين على هذه العنصرية وتقبّلها والتعايش معها. كأنّ حياة الإنسان الإسرائيلي تساوي أضعاف المرّات حياة الإنسان الفلسطيني. كما أنّ حقوق المواطن الإسرائيلي وأحلامه وطموحاته كلها مشروعة ومقبولة، حتى المتعلّقة بالتوسّع والاستيطان والاحتلال وحصار ملايين الفلسطينيين وتدمير حياتهم بشكل يومي. أمّا حقّ الفلسطيني بالعيش بكرامة فهو أمر غريب وبعيد عن الواقع، كما هو حقّه بالسعي إلى التخلّص من الاحتلال ورفع الحصار والتحرّر، وإقامة دولته المستقلة. هذه العقلية العنصرية وخطابها الفوقيّ وتقبلها جرّدت الفلسطيني من إنسانيته وحوّلته إلى مجرّد عامل يحلم في العمل لدى إسرائيل وأعلى طموحاته أن يستطيع الحصول على الطعام والشراب.
إسرائيل ومخابراتها بشرٌ مثلنا. لا يعرفون كل شيء. كما أنه يمكن منعهم من اختراق دولنا وأحزابنا وحركاتنا السياسية
الملاحظة الثالثة هي المقارنة مع حرب تشرين (أكتوبر) 1973. ما جرى بعيد جدًا عن هذه الحرب بكل معانيها وأبعادها. طبعًا عنصر المفاجأة مشترك، المهمّ هنا أن إسرائيل ومخابراتها بشرٌ مثلنا. لا يعرفون كل شيء. كما أنه يمكن منعهم من اختراق دولنا وأحزابنا وحركاتنا السياسية. ذلك في حال توفّرت الإرادة وتنظّمنا بالشكل الصحيح. وأكثر من ذلك، إذا استطاعت غزّة الصغيرة والمحاصرة أن تقوم بذلك وعلى هذا المستوى، فغيرها يستطيع أن يقوم بذلك بشكلٍ أنجع وأبسط.
الملاحظة الرابعة هي حول أبعاد ما يجري على عمليّة التطبيع. لماذا وضع هذا الكمّ من الأسئلة حول نتائج هذه المعركة على إمكانية التطبيع مع السعودية؟ هذا الأمر بالفعل غريب! ما هي العلاقة أصلًا بين الأمرين؟ هل التطبيع هو مصلحة للفلسطينيين ويخدمهم ويقدّم مصالحهم بكل الأحوال، أم أنّه لا يخدمهم بل يضرّ بهم وبمصالحهم؟ هل التطبيع من شروطه أن يكون الفلسطيني ضعيفًا وخاضعًا ومستسلمًا للإملاءات الإسرائيلية فقط؟ هل الفلسطيني القوي والمقاوم في غنى عن التطبيع؟
على المقاومة إشراك منظمة التحرير الفلسطينية بكامل مكوّناتها بالمسار السياسي الذي ستفتحه المعركة
الملاحظة الخامسة هي حول العقلية السياسية الإسرائيلية العنصرية وسياسات الانتقام. الرئيس الأميركي، جو بايدن، وعدد كبير من رؤساء الدول الأخرى، أعطوا الضوء الأخضر لإسرائيل بالانتقام من كل شعبنا في غزّة ولزرع الدمار من دون حسيب ولا رقيب. والآن الجميع في حالة انتظار الانتقام الإسرائيلي من غزّة والضفة والقدس وفلسطينيي 48، من دون حتى تحديد كم يكفي إسرائيل وحكومتها الفاشيّة من الدم الفلسطيني والدمار لكي يشعروا بالاكتفاء. لماذا يحقّ ذلك كله لإسرائيل؟ هل للفلسطيني الحقّ نفسه؟ وإذا كان الأمر سياسات مصالح وعنصرية وازدواجًا في المعايير لدى الدول الغربية، لماذا نقبل، نحن العرب والفلسطينيين، التعامل معنا بهذا الشكل؟
الملاحظة السادسة قصيرة وبسيطة، لكل "المهتمين" بعمّال غزّة. ليكن دعمكم لهم والتعبير عن حبّكم وقلقكم عليهم من خلال دعمكم لهم في بناء غزّة وإعمارها بدل إعمار إسرائيل.
الملاحظة السابعة والأخيرة هي حول الحصاد السياسي لهذه المعركة. بعد كل النضال والتضحيات المتوقّعة في هذه المعركة، لكي تستفيد غزّة وفلسطين وشعبها من ذلك كله بالشكل الأمثل، على المقاومة إشراك منظمة التحرير الفلسطينية بكامل مكوّناتها بالمسار السياسي الذي ستفتحه المعركة. كما أنّ عليها إشراك الدوّل العربية المهمة والقريبة منها من أجل تحقيق الإنجازات المرجوّة والمطالب التي تريد تحقيقها. يتطلّب هذا بداية التنسيق لإنهاء المعركة بأقلّ الخسائر الممكنة وتحقيق الأهداف. إدارة هذا الملفّ من دون إشراك الآخرين فلسطينيًا وعربيًا ستطيل، بالضرورة، المعركة وتزيد الخسائر وتقلّل إمكانية تحقيق الأهداف السياسية.