04 نوفمبر 2024
عبيد إحسانات الدولة البذيئة
الحكم عنوان الحقيقة.. الحقيقة في مصر الآن تقول إن أقصى ما يمكن أن يحلم به "فلول ثورة يناير" هو البقاء على قيد الحياة، يتلقطون ما يتساقط من فتات من "دولة يونيو المضادة".
أنتم عبيد إحساناتنا، لا بد أنها دوّت داخل كل من حضر جلسة (أحمد موسى/ الغزالي حرب) مع النطق بتبرئة المذيع، صوت الدولة البذيئة، في أوج انتعاشها، وغطرستها.
كلهم، من كبيرهم إلى صغيرهم، من أغناهم إلى أفقرهم، يدركون أنهم صاروا سعاة وخدماً وعمال سخرة، في وصايا إقطاع الثلاثين من يونيو/ حزيران، عادت مجدداً ثنائية الأسياد والعبيد، بعودة الإقطاع السياسي، حتى ناصريوهم ويساريوهم، باتوا يتعاطون مع هذا الأمر كحقيقة واقعة.
فور النطق بالحكم، كان أسامة الغزالي حرب، يتصل مهنئاً "السيد" أحمد موسى بالبراءة، ويعلن في انكسار يليق بمهزوم أخلاقياً، أنه يطوي الصفحة، ويحترم القضاء الشامخ العادل.
في المساء، كان بكوات الثورة المضادة يقطعون "تورتة الانتصار" على "حقراء يناير"، ويحتفلون بالقضاء على "ثورة العبيد"، ويتوعّدون بمزيد من جلسات التأديب لكل من تسوّل له نفسه من "الزنابير"، بتعبير أفلاطون في فلسفته السياسية، التطاول على سادة الطبقة "الأوليغاركية"، وهي المرحلة الأعلى من الفساد في دولة "التيموقراطية"، تلك التي تقوم على المزاوجة بين قيم الثراء الفاحش وترديد الشعارات الحماسية المعبّرة عن شعور وطني مزيّف (تحيا مصر نموذجاً).
لقد بدت المسألة كلها وكأن المقصود تلقين ثورة يناير الدرس الأخير، وتوجيه صفعة ساحقة ماحقة لما تبقى لديها من أحلام. لذا، كان لافتاً وغريباً على شخص ينتمي إلى "واقع 30 يونيو" أكثر بكثير ممّا ينتسب إلى "يوتوبيا 25 يناير"، مثل أسامة الغزالي حرب، أن يرتدي مسوح فرسان معبد يناير، ويطلق صيحة الحرب القضائية، معلناً: الاعتذار التام للثورة وشبابها، أو الموت الزؤام، وأنه سيحارب حتى النهاية، كي يسترد للثورة شرفها، ثم فجأة يهنئ التتار المنتصرين، وينحني احتراماً للقضاء (الشامخ).
هل كان الغزالي حرب يتوقع إنصافاً من القضاء لثورة يكرهها القضاء؟ هل كان من السذاجة بحيث ينتظر رد اعتبار لثورة، من نظام قام على جثتها؟ كل الوقائع تجيب بالنفي، بما يظهر معه وكأن "أسامة بن حرب" كان يؤدي دوراً مرسوماً في إهانة ثورة، يحمل لها مشاعر سلبية، حد الكراهية، منذ أن هتف الميدان ضده مبكراً، حين أمسك بالميكروفون في العيد الأول للثورة (يناير 2012).
حديث أسامة الغزالي حرب عن ثورة يناير لا يختلف عندي عن حديث محمد دحلان عن الأقصى والمقدسات المسلوبة في فلسطين المحتلة، فكلاهما شديد الالتصاق، حد التماهي، مع المشروع الآخر، إذ لا يختلف عبيد إحسانات دولة الاحتلال عن عبيد إحسانات دولة الانقلاب البذيئة، فما بالك بمن يجمع القبح من طرفيه، الخدمة في بلاط التطبيع، والتفاني في خدمة الانقلاب معاً.
يرى أسامة الغزالي حرب، في حوار تلفزيوني رمضاني، بالتزامن مع نظر قضيته مع أحمد موسى، أن الإنجاز الأهم لعبد الفتاح السيسي هو "القضاء على الخطر الإخواني"، ليعبّر، في الحوار نفسه، عن أسفه لأن مصر رفضت الاعتراف بقرار تقسيم فلسطين، ويعتبر رفض الاعتراف بدولة الكيان الصهيوني خطأً تاريخياً، ويفخر بأنه زار إسرائيل، ويبدي استعداده لزيارتها بشكل دوري وإلقاء محاضرات فيها، في إطار تدفئة علاقات مصر السيسي معها، لكن، بعد تسوية مشكلة الفلسطينيين.
يسأله المحاور: ألا تعتبر أن البعد عن الإسرائيليين غنيمة، فيرفض الغزالي حرب ذلك بشكل قاطع، مبدياً حماساً يفوق حماس علي سالم للتطبيع مع إسرائيل.
باختصار شديد، الغزالي حرب وأحمد موسى، ابنان مخلصان لمشروع واحد، ولدولة واحدة، تتغذى على كراهية مطلقة للخطر الإخواني، الفلسطيني، الحمساوي، المقاوم، ومحبة جارفة للتطبيع مع الصديق الصهيوني، الجار، المعاون، الداعم، دبلوماسياً، ومعلوماتياً، لنظام دولة الانقلاب، الممتن لكريم عطايا دولة الاحتلال.. مع الوضع في الاعتبار ضرورة مراعاة الفروق، بين طبقة إقطاع الانقلاب التي يمثلها أحمد موسى وآخرون، وطبقة أرقّاء الانقلاب وعبيد إحساناته، ممّن لا يجب أن يفكروا أبداً في أكثر من السماح لهم بالعيش في كنف السادة الجدد، وإلا فإن "كل ما فات كوم، والقادم كوم آخر"، كما توعّد الثائر الوطني البطل أحمد موسى، وهو ممسك بالسكين، بين الفارسين، رجل السيراميك ورجل البلاط، كل بلاط في كل عصر وحين.
مرة أخرى: الحكم عنوان الحقيقة، والحقيقة أنهم يحتقرون ثورتكم، ويحتقرونكم "كعملاء وخونة"، وها أنتم قد أقررتم أخيراً بأن المستهدف هو كل ما بقي حاملاً ملامح وجينات يناير، فماذا لديكم سوى مزيد من الشتائم البذيئة لمحمد مرسي والإخوان، أو الاستمتاع بمزيد من الإهانات والصفعات، بما يليق بمازوخيين استراتيجيين؟