عرب المذلة تحت المظلة الإسرائيلية
هذه أسرع وتيرة في تاريخ الهرولة نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني. انظر حولك ستجد أنّ كل خطوة تقارب بين أطراف الإقليم مع بعضها بعضا، تستلزم خطوة أوسع بين كل طرف من هذه الأطراف اتجاه إسرائيل.
لم يعد واضحًا: هل شرط المصالحة بين عربي وعربي، أو بين عربي وجار إقليمي، أن يتصالح أولًا مع الكيان الصهيوني، أم أنّ التصالح مع الاحتلال هو النتيجة لأي تصالحٍ بين الأطراف العربية والإقليمية؟
تقترب تركيا من الإمارات، فتكون أقرب إلى إسرائيل، فتقرّر مصر أن تفعل ما يجعلها تسبق الجميع بخطوة، ولسان حالهم يقول: أنا الأقرب .. أنا الأجدر بالتطبيع، أنا الذي لا تستغني عنه إسرائيل.
إسرائيل في الإمارات وفي البحرين وفي مصر وتركيا، والسعوديون في تل أبيب يتحدثون عن الدفء الذي يشعرهم بأنهم في بيتهم، لا غربة هنا، فيما إعلام عربي يعبّر عن أبو ظبي والرياض، يهلّل ويحتفل بقرار السلطات الأسترالية تصنيف حركة حماس إرهابية، بكل فروعها، وكأنّ انتصارًا وقع، أو كأن ما تحدّث عنه محمد حسنين هيكل بعد توقيع السادات مع الصهاينة يتجسّد واقعًا كابوسيًا أمامنا الآن، حين أشار في كتابه "زيارة جديدة للتاريخ" إلى ما وصفه بأن "التعبئة العقلية والفكرية والنفسية للشعب المصري قد جرى فكّها أو على الأقل جرى التلاعب بها دون أن يجيء السلام". وما جرى لقطاعات من الشعب المصري هو ذاته الذي نراه مع أطيافٍ من الشعب العربي الآن، ممن تصهينت أرواحهم ووجدانهم، تأثرًا بتصهين أنظمةٍ باتت تتسابق على التطبيع، ولا تجد غضاضةً في اتهام رافضي التطبيع بأنهم الخونة والمفرطون وأعداء الأمة التي باتت ترى بقاءها مرهونًا بوجود إسرائيل، ومشروطًا بالعداء لكل أشكال المقاومة، سواء كانت مقاومة فلسطينية خالصة، لا ترى من مشروعٍ لها إلا التحرّر من الاحتلال، أو مقاومات أخرى طائفية، تمزج بين الحلم بفلسطين والحلم بالمذهب في مشروع واحد، كما هو الحال مع حزب الله والفصائل المقاومة التي لا تكفّ عن كيل المديح لإيران.
الخطاب السياسي والإعلامي الصادر من محور الهرولة انتقل من مرحلة مساواة الخطر الإسرائيلي بالخطر الإيراني إلى مرحلة جديدة كليًا يعتمد فيها طهران خطرًا وحيدًا، وعدوًا استراتيجيًا أوحد، بينما تل أبيب هي الحل، وهي المأوى والملاذ من الأطماع المعتّقة في الروايات التاريخية عن الصراع الحضاري في المنطقة.
في هذا المناخ، من الطبيعي أن يبدو حسن نصر الله في حديثه على هذه الوضعية من الخيلاء والفخر، خصوصًا وهو يرى خصومه، وخصوم مرجعيته الإيرانية، من العرب الأقحاح يعتمدون إسرائيل مرجعيةً سياسيةً لهم، ترفرف أعلامها في عواصمهم، وتضاء أبراجهم بشعاراتها، وتسير القوافل إليها ومنها، في رحلات الشتاء والصيف، التي تتزامن مع خطوات التآلف والتقارب بين ورثة قريش.
من حق حسن نصر الله أن يتطاوس وهو يخاطب خصومه الذين يزعجهم كل الإزعاج الكلام عن توجّه إيران إلى امتلاك قنبلة نووية، لكنهم حين يدور الكلام عن ترسانة الصهاينة النووية، يكونون على أتم الاستعداد للرقود كالدجاجات فوق قنابل إسرائيل النووية حتى تفقس، وتفرخ ما يغيظون به إيران وما يسمّى معسكر الممانعة.
عقب تولي الرئيس الأميركي، جو بايدن، رئاسة الولايات المتحدة، أعلن أن إدارته، تنظر في مشروع كيان جديد في المنطقة يكون بديلًا لجامعة الدول العربية، يضم الدول العربية وإسرائيل، تحت المظلة الأميركية، وهو المشروع المقدّم من الباحث بمشروع مستقبل الدبلوماسية في مركز بيلفر للعلوم والشؤون الدولية، التابع لمدرسة كيندي في جامعة هارفارد، روبرت دانين، وهو أيضًا مسؤول سابق بوزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي الأميركي، والباحثة بمعهد الدراسات الاستراتيجية التابع لجامعة الدفاع القومي الأميركي، ماهسا روهي.
أظن أن هذا المشروع بصيغته الموضحة أعلاه لو طرح على العرب الآن لاعترض كثيرون منهم على جزئية المظلة الأميركية، ذلك أنهم لا يريدون وساطة بينهم وبين إسرائيل، إذ صارت هي المظلّة لعرب المذلّة.