عندما يبحثون عن مبرّر لقتل النساء
إن قرّر أحدهم إنهاء حياتكِ، فليس هناك ما يمنعه أو يردعه، إن كنتِ طالبة جامعية (نيرة) على أبواب جامعتك في مصر، وإنْ كنت (إيمان) داخل أسوار جامعتك في الأردن، أو رفضتِ عرض زواج في فلسطين، أو لاجئة سورية رفضتِ أن تكوني سلعة، أو سيدة قرّرت أخيراً إنهاء علاقة زواج كنت فيها ضحية تعنيفٍ دام سنة وأكثر، وهربت من نارها في الأردن، لينتهي جحيمها بتلقي خمس عشرة طعنة في سيارتك في دبي.
غالباً ما تموت المرأة غريبة، إنْ ليس بالمعنى الحرفي، فإن كثيرات تنتهي حياتهن، ويتعامل المجتمع معهن بشك وريبة عن السبب والباعث والدافع. أجزم أن أسئلة جالت في خواطرهن، ومن شاركنهن المصير نفسه سنوات ومن سيشاركن المصير نفسه من الضحايا القادمات من النساء: ماذا سيحل بأمي؟ بأولادي؟ من سيعطي الدواء لأبي؟ من سيدفع القسط الجامعي لأخي؟ من سيطمئن أختي الصغيرة إن بحثتُ عن حضن آمن لي؟
لا أظن أن إحداهن تسأل لماذا أنا أو ماذا فعلت، فالمجتمع كفيل بطرح هذه الأسئلة، وغيرها المزيد، ماذا فعلت؟ ماذا كانت ترتدي؟ هل كانت تجمعها مع القاتل علاقة؟ هل غرّرت بهذا الشاب ووعدته بالزواج وأخلفت فأخذ حقه منها وقتلها؟!... تفكير مجتمعي بالٍ تعزّزه ممارسات إعلامية لا أخلاقية وغير مهنية، اتخذت من النساء الضحايا وأوجاع أسرهن باباً لكسب الجمهور والمتابعة والكسب المالي غير المشروع، فهو متاجرة بمنظومةٍ مهنية فقدت إنسانيتها ومهنيتها، وبالمناسبة الدراما والموسيقى ليستا أفضل حالاً في هذا المجال.
أن تكوني امرأةً في هذه المنطقة من أصعب التجارب اليومية في الاستمرار بحياتك اليومية تحاولين النجاة، تخوض النساء حروباً من كل طلوع للشمس حتى مغيبها، ويقارعن تحدّيات من أشخاصٍ يتشاركن معهم الدم وطبق الطعام والأحلام، وربما آخرين غرباء، لكنهم يرون فيها فريسة أو حقاً مستباحاً أو وسيلة للتخلص من عقدة نقص يتجاوزونها بالاستقواء على الضلع القاصر والصوت العورة والجسد عنوان العار.
صحيحٌ أن الجريمة تحدُث ضد الجنسين، لكن جرائم قتل النساء تكون صادمة بشكل أكبر
ارتبطت جرائم قتل النساء في المخيلة العربية بالشرف، واستقرّ في الوعي أن دوافع جريمة قتل المرأة تختلف عن دوافع جرائم القتل "العادية"! وأنه لا بد أن تكون للمرأة الضحية يدٌ فيما آلت إليه، وهذا يجعل من مناقشة الأسباب والدوافع مرتبطة بطريقة غريبة بالجنس والجسد، كونك أنثى.
يتناسى جمهور الفقهاء والمحللين على مواقع التواصل الاجتماعي أن لكل أنثى قتيلة أباً وأماً وعائلة، لها حرمة تماماً، كما هي حرمة الميت التي لا يجوز الخوض فيها، لا ديناً ولا شرعاً ولا حتى بمقياس الأخلاق التي يبدو أنها تعاني من تضاؤل مخيف، يجعلنا نستبيح كل ما هو عزيز، ونريق دمه على شاشات زرقاء، لا حسيب عليها ولا رقيب؛ إلا فيما يخص السلطة ورموزها، وتتحرّك بسرعة البرق جماعات الردع والدفاع المستميت من جهة، وتفعيل قوانين صُمّمت خصيصاً لخنق الحريات وإسكات الأصوات المنتقدة، وحبس أصحابها إذا اقتضى الأمر.
يبرّر كثيرون الجريمة بخروج المرأة إلى العمل، وأنها يجب أن تقر ببيتها، أو مظهر المرأة أو الاختلاط، بل تجاوزت عنصرية آخرين كل منطق بأن ما يحدُث للنساء من عنف وجريمة وتحرّش هو بسبب فئات دخيلة على مجتمعنا الطاهر العفيف!
ولكن لا أحد يتحدّث بصدق وشفافية عن أسباب الجريمة، لماذا يتعاطى الشباب أصلاً المواد المخدّرة، فتُذهب عقله ومنطقه، ويقتل والدته أو حبيبته أو زوجته، أو من رفضت إقامة علاقة معه أو عرضه للزواج؟! كما جاء بمبرّرات عديدة سيقت عند انتشار جرائم القتل للنساء المتتالية في الأيام القليلة الماضية، في أكثر من مدينة في الأردن وأكثر من عاصمة عربية.
أن ينتهي الأمر برجل بقتل امرأة يعني أن منظومة الردع الإنساني والأخلاقي لديه ضربت تماماً
صحيحٌ أن الجريمة تحدُث ضد الجنسين، لكن جرائم قتل النساء تكون صادمة بشكل أكبر. ويردّد ناشطون وناشطات أن مأساة المرأة في الأردن، وربما عربياً أيضاً، "أنها إن وافقت على علاقة خارج إطار الزواج تقتلها أسرتها، وإن رفضتْها تُقتل انتقاماً منها ومن رفضها، وإنْ تزوّجت تنتهي، في حالاتٍ كثيرة، قتيلة أو مشوّهة".
أن ينتهي الأمر برجل بقتل امرأة يعني أن منظومة الردع الإنساني والأخلاقي لديه ضربت تماماً وأن إحساسه تجاه الآخر، وخصوصاً شريكة حياته أو من يتمنّاها شريكة حياته، تحوّل غريزة حيوانية بشعة، تنظر إلى الشريكة باعتبارها شيئاً يملكه ويتحكّم به لا يشاركه حياةً أو حلماً للمستقبل، وهذا نتاج تربية خاطئة تمتدّ قروناً خلت، تعزّزها أفكار اجتماعية بالية وفهم مغلوط للنصوص الدينية والفقه. وهي ليست بالطبع الأسباب الحصرية للجريمة، فمن يُقدم على مجرّد مخالفة القانون، وصولاً إلى القتل، هو من فقد التوازن والمنطق والتفكير السليم، إذ من النادر أن يُقتل شابٌ في مقتبل العمر، إن كان يملك وظيفة مناسبة تؤهله لإنشاء أسرة، والبدء بحياة كريمة مع من اختارها، فلماذا ينهي حياته بالحبس، وربما الإعدام، إن لم يكن يعاني خللاً في التنشئة أو مرضاً مسلكياً أو ضيم الفقر وذلّ التهميش والإهمال.