عن إعادة تموضع سعودي في أزمة اليمن
بعد أيام قليلة من نفي مبعوث السعودية لدى الأمم المتحدة، عبد الله المعلِّمي، وجود مفاوضات سِرِّية بين بلاده والحوثيين، بشأن إنشاء منطقة عازلة على الحدود الجنوبية الغربية للسعودية مع اليمن، شن الحوثيون هجومًا صاروخيًا على محطةٍ لتوزيع النفط تابعة لشركة أرامكو، في مدينة جدة، وكثفوا عملياتهم البحرية على ناقلاتٍ للنفط، قبالة سواحل جيزان وأعالي البحار، جنوبي البحر الأحمر.
والواقع أن الحديث عن المنطقة العازلة، إيَّاها، ليس أمرًا جديدًا، فقد أثير ذلك قبل عام، عندما كثف الحوثيون ضرباتهم، بالصواريخ والطائرات غير المأهولة، على مناطق نجران وعَسِير وجَيْزان، ومصالح بحرية أخرى، لكن الجديد في الأمر مجيئهُ في سياق وقائع أخرى، تشير إلى أن هنالك تحوُّلًا في الموقف السعودي إزاء الأزمة اليمنية.
في سياق هذا التحول، يبرز الإعلان المفاجئ عن مغادرة شخصيتين بارزتين في حزب التجمع اليمني للإصلاح الأراضي السعودية إلى تركيا، رئيس الحزب محمد اليدومي، وعبد المجيد الزنداني، الذي يرأس جامعة الإيمان، بعد حوالي ست سنوات من مكوثهما في المملكة، على الرغم مما يثار بشأن تقييد السلطات السعودية تحرّكاتهما خلال هذه المدة. أما ما يسترعي الانتباه، فهو أن هذه المغادرة، خصوصًا الزنداني، تزامنت مع تصعيد سعودي تجاه جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها حزب الإصلاح.
خلال الأيام العشرة الماضية، وبينما الحوثيون يحاولون الإحاطة بمدينة مأرب من ثلاثة اتجاهات، سحبت السعودية معدّات عسكرية تابعة للتحالف في هذه المدينة ومناطق محيطة بها، بمبرّر إجراء عمليات صيانة دورية في ورش تقع خارج مسرح العمليات، وفي وقتٍ سيطر فيه الحوثيون، مؤقتًا، على معسكر ماس الاستراتيجي، غربي مأرب، وكذلك اشتداد القتال بين القوات الحكومية ومليشيا المجلس الانتقالي في محافظة أبين، شمال شرقي خليج عدن، في سبيل فرض واقع على الأرض يعزّز طموح طرفي المواجهة بشأن الترتيبات العسكرية والأمنية التي تضمّنها اتفاق الرياض، وفقًا لرؤية كل منهما إزاء تنفيذ هذه الترتيبات التي لا تزال عقبة أمام عملية التنفيذ.
يرتبط تفسير تحول الموقف السعودي بتزايد تعقيدات الأزمة اليمنية، وانزلاقها نحو مساراتٍ قد تكلِّف السعودية مزيدا من الخسائر، من دون تحقيق مكاسب جوهرية أمام إيران في شمال اليمن، وأمام الإمارات في جنوبه؛ حيث لا يزال الحوثيون يسيطرون على معظم مناطق الشمال، ويبدون حماسة قوية للسيطرة على ما تبقى منها، فيما تسيطر الإمارات، عمليًا، على جزيرة سقطرى، وعلى عدن، بواسطة المجلس الانتقالي الجنوبي، فضلًا عن أجزاء من الساحل الغربي والجنوبي، بواسطة مليشيات أخرى تستمد اعتماداتها المالية واللوجستية من أبوظبي.
تعقيدات الأزمة اليمنية تتزايد، وانزلاقها نحو مساراتٍ غير محسوبة، قد يجعل السعودية تتكبّد مزيدا من الخسائر، من دون تحقيق مكاسب جوهرية أمام إيران في شمال اليمن
لا تزال مساعي السعودية متعثرةً في دعم تشكيل حكومة يمنية يشارك فيها المجلس الانتقالي الجنوبي، على الرغم من زيارة نائب وزير الدفاع السعودي، خالد بن سلمان، الرئيس عبد ربه منصور هادي في مقر إقامته في الرياض؛ إذ تؤمِّل السعودية، من نجاحها في ذلك، تحقيق توازن استراتيجي مع الإمارات في المحافظات الجنوبية لليمن، كما يُفهم من منحها حق الإشراف على تنفيذ اتفاق الرياض.
يتزامن التحول السعودي مع قُرب وصول المرشح الفائز في الرئاسة الأميركية، جو بايدن، إلى البيت الأبيض، والذي يعد دافعًا خارجيًا للسعودية، لإعادة تموضعها السياسي والعسكري في اليمن، ولا سيّما أن مواقف بايدن من إيران قد تكون مغايرة لسلفه دونالد ترامب، وانتقال إيران من الظل إلى الواجهة في الأزمة اليمنية، بعد تعيين سفيرٍ لها لدى الحوثيين، يتمتع بخلفية عسكرية مثيرة للجدل، وبروز أثر ذلك في تصاعد تهديد الحوثيين المصالح النفطية غربي السعودية، وفي البحر الأحمر.
يبدو، كذلك، أن السعودية تحاول التخفّف، تدريجيًا، من الأثقال التي حالت دون نجاح أجندتها في شمال اليمن وجنوبه، طوال ست سنوات من الحرب، والتي استنزفت موارد كثيرة لها، وأضرّت بسمعتها السياسية، مع كون هذا التحول هروبًا متأخرًا، كما فعلت الإمارات، من الملاحقات الدولية المتعلقة بجرائم الحرب، وتداعياتها الإنسانية التي جعلت اليمن يواجه أسوأ أزمةٍ إنسانيةٍ في تاريخه السياسي الحديث.