عن الضربات الصاروخية على إسرائيل
كثفت إسرائيل في الأسابيع الأخيرة من هجماتها على الأراضي السورية التي تقع تحت يد النظام، وتنوّعت الضربات ما بين هجوم صاروخي بعيد المدى أو بالطائرات القاذفة والمقاتلة. وطاولت الهجمات مواقع عدة في دمشق وحلب وحمص، وتركّز بعضها حول المطارات والتجمّعات العسكرية. ويؤشّر هذا النشاط العسكري المحموم والواسع في الأجواء السورية إلى نشاط عسكري على الأرض تقوم به إيران، فالمعروف أن كل هجمات إسرائيل موجّهة بشكل أساسي نحو الجانب الإيراني وجهوده المادية والتجهيزية. ويلفت الانتباه استهداف ما قالت إسرائيل إنه إعداد لهجمات بطائرات مسيّرة تستهدف الداخل الإسرائيلي. ومن المعروف أن إيران تلعب دورا نشطا وواسعا في سورية، تسعى فيه إلى تعزيز وجودها العسكري والأمني، وتقوم بنشاطاتٍ قد لا يكون مسؤولو النظام ولا حتى الروس على اطّلاع عليها، لتخدم مشروعها الخاص، وتزيد من سيطرتها على المنطقة، وهي ترى أن الوضع الداخلي الإسرائيلي قلقٌ نتيجة ما يحصل من انقسام واضطراب في الشوارع. لذلك تحاول اقتناص الفرص وتسجيل نقاط لصالحها بزيادة أنشطتها على الأرض، كما تحاول استغلال الوضع الدولي المشوّش الذي أحدثه الغزو الروسي لأوكرانيا، ومناخات الحرب المضطربة في الساحة الدولية. وما بدا أنه بدايات لانقسام عالمي يمهّد لانقسام عقائدي أكبر، ومحاولات محمومة من الأطراف لاستقطاب الصين.
في هذه البيئة الفوضوية فرص سانحة لمن يريد الكسب على ما يبدو، فأوعزت إيران لحلفائها لتحريك ما يستطيع تحريكه على الحدود اللبنانية والسورية، وهي بالتأكيد لا ترغب في حربٍ شاملة، ولكنها تريد اختبار المقدرة الإسرائيلية وطريقة استجابتها في حالة الانقسام التي تعيشها حاليا، واستمرار المظاهرات، رغم تجميد نتنياهو مشروعه التعديلات على القضاء. كما تستطيع أن تجيّر هجماتها لما يمكن أن يعدّ رد اعتبار لمجموعة الضربات التي تلقّتها في سورية، أو لما يحدُث من انتهاكات في المسجد الأقصى وأجواء غزّة، وتشي طريقة (ومكان) سقوط الصواريخ التي أطلقت من جنوب لبنان أو من غزّة بأن إيران لا ترغب في تصعيد كبير، وجاء الرد الإسرائيلي كذلك محدودا ومركّزا، ولا يوحي بنيةٍ لتصعيدٍ أكبر.
تدور المواجهات بين إسرائيل وإيران منذ وقت مبكر قد يعود إلى زمن استيلاء التيار الديني على السلطة في إيران، وهي تتخذ أشكالا عديدة، منها محاولة دخول إيران النادي النووي. وفي الطرف المقابل، أتقنت إسرائيل جدّيا هذه اللعبة، وحفظت درسها بعناية، وقد أصبح الطرفان يتكلّمان بشيفرة معروفة لكليهما رغم حالة العداء الذي يحمل جوانب حقيقية، ولكن الطرفين يوظّفان هذا العداء في ميادين مختلفة ويستثمران فيه، ويعرفان أن المواجهة قد تنزلق، في لحظات معينة، لتكبر دائرتها وتشمل قطاعا جغرافيا أوسع كما حدث في العام 1996، وتكرّر في العام 2006. وقد مضى 17 عاما على ذلك الانزلاق، لكن ما حدث غير مرشّح ليتصاعد أكثر لتكرار سيناريو 2006، خصوصا وأن حزب الله، ورغم تهديداته ذات النبرة العالية، إلا أنه لم يعترف بوقوفه خلف الهجمات الصاروخية التي انطلقت من الجنوب.
اللغة المشتركة والحصرية التي تتكلم بها إيران وحلفاؤها مع إسرائيل مستمرّة. ولكن يمكن لظروف خاصة أن يصعّدها طرفٌ قليلا، كما حدث في أثناء اغتيال عالم إيراني في طهران، ويحدّد تغيير اللهجة ورفع مستواها بين "المتحاورين" تغيرٌ ما في الظرف الدولي، ولن تجد إيران أفضل من هذا الظرف الانقسامي الذي تشهده إسرائيل، لترفع من لهجتها قليلا، ولكن ذلك قد يقود إلى مفعول عكسي. وبدل أن يزيد التصعيد من الانقسام الإسرائيلي قد يتحوّل إلى توحيد في وجه التهديد، وقد قال قادة الاحتجاجات إن مظاهرات السبت ستتكرّس لدعم سكّان الشمال والمتضرّرين من الهجوم، وهذه رسالةٌ جديدة موجهة إلى إيران بالشيفرة ذاتها التي عرفها الطرفان حق المعرفة.