عن تداخل الدين والدولة في نموذج إسرائيل
تمثّلت الحج~ة التي سجنت رئيسة كتل الائتلاف الحكومي الإسرائيلي، النائب عيديت سيلمان، نفسها فيها، لتبرير استقالتها من منصبها والانسحاب من هذا الائتلاف، بما يجعله مستنداً إلى تأييد 60 نائباً من مجموع 120 في الكنيست، في أنّ عدم التقيّد بتطبيق أنظمة الطعام اليهودي الحلال في المستشفيات خلال أيام الفصح اليهودي يُلحق أضراراً فادحة بالهوية اليهودية لإسرائيل وشعبها، والتي يُعدّ أي مساس بها خطاً أحمر بالنسبة إليها.
وسرعان ما أغرت هذه الحجّة بعضهم لتوجيه شبهة وجود نزعة فصل بين الدين والدولة في إسرائيل لدى مركّباتٍ في الحكومة الإسرائيلية الحالية، وهي شبهة افترائية، لسببٍ بسيطٍ، أنّ هذا الموضوع غير مطروح بحدّة في أجندة القوى السياسية المتعدّدة، ناهيك عن أنه أكثر تعقيدًا إلى درجةٍ تشي بشبه استحالة تحقيقه.
ثمّة في إسرائيل "معهد للديمقراطية" تأسّس عام 1991، ويهدف، كما يرد في بطاقة هويته، إلى إثراء النقاش العام بشأن القضايا الأكثر أهمية لـ"الديمقراطية الإسرائيلية"، ويندرج موضوع العلاقة بين الدولة والدين ضمن اهتماماته. ووفقًا لباحثي حتى هذا المعهد، لا يجوز فصل الدين عن الدولة في إسرائيل بتاتًا. وقبل عدة أعوام، تصدّى باحثون فيه لمطالبة أوساط يهودية من الولايات المتحدة بتطبيق النموذج الأميركي المتعلق بالفصل التام بين الدين والدولة على الحياة الدينية في إسرائيل أيضًا، معتبرةً أن الموقف الإسرائيلي الرافض هذا الأمر يشكل مسًّا خطرًا بحقوق الفرد، وبأن إسرائيل دولة غربية ليبرالية. وبحسب أولئك الباحثين، من السهل تفهم هذا الموقف في السياق الأميركي، وربما يكون العامل المركزي الذي أتاح لأقلية دينية، مثل اليهود، إمكان التطوّر والازدهار والتمتع بمكانتها الحالية في منأى عن أشكال التمييز والاضطهاد التي عانت منها في أماكن أخرى مثل أوروبا، ولكن ثمّة أسبابا وجيهة تبرّر انتهاج موقف مضاد في سياق إسرائيل.
ومن أبرز تلك الأسباب: أولًا، خلافاً للولايات المتحدة التي تعدّ من أبرز نماذج "دولة جميع مواطنيها"، والذي لا توجد فيه، من الناحية الرسمية على الأقل، فجوة بين تعريفي المواطنة والانتماء القومي، فإن إسرائيل ترى نفسها "دولة قومية للشعب اليهودي"، مع وجود اختلاطٍ في إطار الهوية اليهودية على مرّ الأجيال بين البُعدين، القومي والديني. ولا يجوز الفصل بينهما. ومع أنّ اليهودي، في قراءتهم، غير مُلزمٍ بالمحافظة على فرائض الدين وتعاليمه، كي يعدّ يهوديًا، ولكنه سيفقد هذا التعريف أو الاعتبار حتى على المستوى القومي، إذا ما غيّر ديانته واعتنق أي ديانة أخرى، وفق ما قضت المحكمة العليا في إسرائيل أيضًا. ثانيًا، جوهر الثقافة اليهودية، من الناحية العملية أيضًا، ينبع من عالم اليهودية الديني، وبالتالي أي فصل مبدئي بين الدين والدولة يمكن أن يلزم الدولة اليهودية بالانفصال عن "جوهرها" أو "مضمونها الثقافي"!
في ضوء هذين السببين وغيرهما، أكّد الباحثون في "معهد الديمقراطية" أنّ المطالبة بالفصل التام بين الدين والدولة في إسرائيل تواجه رفضاً شديداً وجارفاً، ليس من الأحزاب الدينية فقط، إنما أيضاً من قطاعات واسعة، دينية وتقليدية، في صفوف الجمهور الإسرائيلي بشكل عام. كما أن أكثرية الجمهور العلماني ليست معنية بذلك في الحقيقة. ولعلّ ذلك هو السبب الذي يجعل بعض الساسة الإسرائيليين الذين يتبنّون مواقف وتوجهات علمانية واضحة يكتفون بترديد شعار "فصل الدين عن الدولة" في خطبهم الدعائية فقط، من دون طرحه مطلباً للتنفيذ العملي.
لا بُدّ من الإشارة كذلك إلى أن هذا المعهد يؤكد أن من حق الدولة اليهودية أن تتخذ لنفسها رموزاً ذات خلفية دينية، أو أن تضع قيوداً في مجالي الحرية والملكية العامة تنبع من القيم الدينية. لكن، من غير الملائم أن تجبر الفرد على اتباع أنماط حياة وقواعد مأخوذة من العالم الديني فقط، والمقصود هنا في المقام الأول حصرية النظام الديني الأرثوذكسي المُطبّق في إسرائيل، خصوصاً في شؤون الأحوال الشخصية، مثل الزواج والطلاق وغيرهما.