عن سبِّ المغاربةِ في ملعبٍ جزائريٍّ
على الرغم من أن المواجهات الكروية بين المغرب والجزائر كانت دائما تتسم بالندّية والإثارة، إلا أن ذلك لم يحُل، يوما، دون أن تمر في أجواء من الروح الرياضية، سواء بين اللاعبين أو بين صفوف الجمهور على مدرّجات الملاعب. وحتى في أكثر فترات التوتر بين البلدين، لم تكن هذه المواجهات تتأثر بذلك، سواء على صعيد المنتخب أو الأندية، فلم يكن الجمهور المغربي يتردّد في مساندة المنتخب الجزائري في مبارياته المصيرية، مثلما لم يكن الجمهور الجزائري يبخل على المنتخب المغربي بالتشجيع أيضا، ما يؤكّد الروابط المتينة التي تجمع بين الشعبين. غير أن الشتائم والهتافات العنصرية التي خصّ بها جمهور فريق شباب بلوزداد الجزائري فريق الوداد المغربي، السبت الماضي، برسم دوري أبطال أفريقيا، تربك هذه البديهية، وتؤكّد أن مياها تجري تحت جسور العلاقات بين الشعبين، في ظل التحوّل النوعي في تعاطي الإعلام الرياضي الجزائري مع الشأن الرياضي المغربي. وأمام هذا الوضع، لا يسع الواحد منا إلا ''رفع القبّعة'' للعسكرتارية الجزائرية، وللسلطويات العربية بوجه عام، لنجاحها في تزييف وعي قطاع لا يُستهان به داخل المجتمعات العربية، وإشغاله بمعارك وهمية تصرفه عن قضاياه الحيوية التي يُفترض أن تتصدّرها الحرّية والديمقراطية والتنمية والعدالة الاجتماعية.
لا يزال في حوزة هذه السلطويات هامش واسع للتحكّم في الرأي العام وتوجيهه لخدمة مصالحها. ومن ذلك ما يمكن أن يُوَظَّف في إثارة النعرات القُطْرية والجهوية، لا سيما كرة القدم، بما توفره مبارياتُها من أجواء التعبئة والتحشيد التي تُعدُّ المجتمعاتُ التقليديةُ، الغارقةُ في التخلف والبؤس، مختبرا رئيسا لتصريفها. وقد كان دالا للغاية تحوُّلُ الإعلام الرياضي العربي، خلال السنوات الأخيرة، إلى أداةٍ ناجعةٍ لتعليب وعي الناس، من خلال خلط الأوراق، والتفنُّن في تسييس المواجهات الكروية العربية والانحراف بها عن سياقها الرياضي، وتأجيج التوترات التي تشهدها المنطقة، والذهاب بعيدا في استثمار خطاب الفتنة والكراهية، بغاية تعزيز الشرعيات السياسية المتآكلة لمعظم هذه السلطويات التي لم يعد لدى كثير منها ما تقدّمه لشعوبها غير انتصارات كروية وهمية لا تقدّم ولا تؤخر في معادلة التقدّم والتنمية.
ظل الإعلام الرياضي في المغرب والجزائر بعيدا، بشكل عام، عن الخلاف المعلوم بين البلدين. لكن المنعرجات التي شهدتها قضية الصحراء في السنتين المنصرمتين، ومخاوف النظام الجزائري من مآلٍ تنعطف إليه هذه القضية بما لا يخدم أجندته المناوئة للمغرب، ويؤكد وحدة الأراضي المغربية ويُقبر المشروع الانفصالي، ذلك كله جعل مختلف وسائل الإعلام الرياضي الجزائري تتحوّل إلى إحدى أكثر الأذرع توظيفا من العسكرتارية الجزائرية لإثارة الفتنة وبثّ روح التعصّب الكروي الأعمى بين الشعبين الشقيقين. وربما لذلك لم يستغرب كثيرون حين نعتت صحيفة جزائرية المغربَ بـ''جار السوء''، في غضون تغطيتها مباراة المنتخبين، الجزائري والمغربي، برسم كأس العرب في قطر نهاية السنة المنصرمة، في خروجٍ سافر عن مقتضيات العمل الإعلامي وضوابطه.
كان من الواضح أن التوتر الحالي بين البلدين، والذي وصل إلى القطيعة الدبلوماسية، هو الأكثر حدّة منذ اندلاع نزاع الصحراء، ولا يبدو أن هناك انفراجا في الأفق، في ظل استمرار الجزائر في مجافاة الوحدة الترابية للمغرب. وفي وقتٍ لا يزال الإعلام الرياضي المغربي محافظا على هدوئه، نسبيا، في هذه الحرب الإعلامية، يُخشى أن تكون واقعة ملعب 5 يوليو في الجزائر العاصمة قد أحدثت شرخا في العلاقة بين الشعبين، نتيجة إصرار بعضهم على خلط الرياضة بالسياسة.
نتمنّى ألاَّ يرد جمهور نادي الوداد البيضاوي على ''التحية الجزائرية'' بمثلها خلال مباراة الإياب التي سيحتضنها ملعب محمد الخامس في الدار البيضاء، بعد غد السبت، لأن من شأن ذلك أن يصبّ مزيدا من الزيت على نار التوتر المغربي الجزائري ويبدّد، ربما، ما تبقى من أواصر بين الشعبين.