عن سقوط قواعد الاشتباك في جنوب لبنان
يبدو واضحاً منذ أيام أنّ "إسرائيل" أسقطت ما تُعرف بقواعد الاشتباك في جنوب لبنان عن سابق نيّة وتصوّر وتصميم؛ فالطائرات الحربية الإسرائيلية أغارت يوم الاثنين (19 فبراير/ شباط)، على موقعين في بلدة الغازية، جنوبي مدينة صيدا، ودمّرت ما قالت "إسرائيل" إنّها بنية تحتية لحزب الله في الموقعين. وتبعد بلدة الغازية عن الحدود قرابة 50 كيلومتراً. وقبلها بأيّام أغارت الطائرات الحربية على مدينة النبطية واستهدفت مبنىً فيها، قالت وسائل إعلام إسرائيلية إنّه كان يؤوي أحد القادة العسكريين للحزب. وسبقت ذلك غارات أخرى استهدفت سيارة في قلب المدينة التي تقع شمال نهر الليطاني، وبعيدة نسبياً أيضاً عن الحدود. كما استهدفت المسيّرات الإسرائيلية سيّارة على الطريق الساحلي بين بيروت وصيدا في بلدة جدرا في جبل لبنان.
يقود ذلك كله إلى القول إنّ "إسرائيل" أسقطت قواعد الاشتباك التي كانت قائمة في جنوب لبنان طوال الشهور الماضية وراحت تعمل على استجرار حرب مع لبنان وحزب الله من أجل الانتقال إلى مرحلة جديدة في الحرب على غزّة بعدما فشلت في تحقيق أيّ هدف عسكري حقيقي، وبعدما رفضت، على طريقتها، المبادرات التي طرحها لقاء باريس من أجل وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى علّ ذلك يعيد خلط الأوراق، أو يدفع المنطقة إلى مواجهة كبيرة ومفتوحة تعيد رسم كل معالمها. وبالحدّ الأدنى قد تعمل "إسرائيل" من خلال توسيع رقعة استهدافاتها في لبنان على تغيير قواعد الاشتباك التي كانت قائمة لصالح قواعد جديدة تطرحها دائماً في مطلب إخراج حزب الله إلى منطقة شمال الليطاني، أو ربما إلى ما هو أبعد، وهو ما يرفضه حزب الله، ويربط تنفيذه بـ"تسوية" يكون وقف إطلاق النار الدائم في غزّة أحد شروطها، ناهيك عن أثمان سياسية ربما تكون لها صلة وعلاقة بالداخل اللبناني.
يقترب موعد لبنان مع الحرب الواسعة شيئاً فشيئاً وما إسقاط قواعد الاشتباك التي كانت قائمة سوى المقدّمة التي يمكن أن تلحق بها المواجهة المجنونة
يدرك حزب الله أنّ المطلب الإسرائيلي في هذه المرحلة بالنسبة للبنان دفع الحزب إلى ردّة فعل قويّة ومؤثّرة تعطي ذريعة للإسرائيلي لتوسيع الحرب، ليس بهدف كسبها والانتصار فيها، بمقدار ما هو إعادة خلط الأوراق في المنطقة؛ ويدفع الحزب أثماناً باهظة جراء الاستهدافات والاغتيالات التي تطاول مجموعاته وعناصره، ويشعر بأنّه مكبّلٌ في عمليات الردّ لأنّه لا يريد أن يدخل حرباً مفتوحة وواسعة مع الإسرائيلي، وخصوصاً أنّ الدعم العالمي ما زال متوفّراً وحاضراً على الرغم من التحوّل الطفيف الذي طرأ على الموقف الدولي من الحرب على غزّة، كما لا يمكنه السكوت الدائم على هذه الاستهدافات أو الرد الخجول عليها، خصوصاً أنّها تزيد حجم خسائره بالتقسيط، وذلك كله يقيّد حركته ويضاعف خسائره في وقت لا يحتمل فيه أيّ مخاطرة في الموقف. ولكنّ ما لا يدركه الحزب، أو ربما يدركه ولا يملك حياله أيّ مخرج، هو أنّه سيكون الهدف التالي، سواء تمكّن الإسرائيلي من تحقيق إنجاز في غزّة أو في حال راكم فشله؛ ففي الحالة الأولى فإنّ أيّ نصر ولو باهت سيجعل الإسرائيلي يشعر بالنشوة وبالتالي إدارة فوّهات المدافع والدبابات نحو الجبهة الشمالية مع لبنان لاستكمال "النصر" الذي تحقّق له. وفي الحالة الثانية فإنّ الهزيمة والفشل سيقودان القيادة الحالية لـ"إسرائيل" إلى مغامرة أو مقامرة كبيرة، لأنّ هذه القيادة تنظر وتعتبر أنّ الفشل سيعني انتهاء "إسرائيل"، وبالتالي فإنّها مستعدّة للهروب نحو الأمام وتحويل المنطقة كلّها إلى ساحة حربٍ تنزلق إليها وتشترك فيها دول أخرى، ومن بعدها يتقرّر مصير هذه المنطقة.
لأجل ذلك، يقترب موعد لبنان مع الحرب الواسعة شيئاً فشيئاً وما إسقاط قواعد الاشتباك التي كانت قائمة سوى المقدّمة التي يمكن أن تلحق بها المواجهة المجنونة.