عن صواريخ جنوب لبنان في شمال فلسطين
مفاجِئة ومن دون مقدّمات، وحتى من دون أحداث مباشرة عند طرفي الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، انطلقت صواريخ من سهل بلدة القليلة باتجاه مستوطنات الشمال الفلسطيني المحتل. اختلفت الروايات بشأن عددها، ولكنّها أجمعت على أنّها أكثر من 30 صاروخاً. حمّلت الرواية الإسرائيلية فصائل فلسطينية، وأولها حركة حماس، مسؤولية إطلاق الصواريخ، وتالياً حزب الله والدولة اللبنانية. لم يعلق حزب الله على الموضوع (حتى كتابة هذا المقال)، وكذلك "حماس"، والجيش اللبناني وقوات الأمم المتحدة (يونيفل) العاملة في جنوب لبنان فتحا تحقيقاً في الحادثة. الأكثر أهمية أنّ هذه الصواريخ محمّلة بكمّ من الرسائل على قاعدة إصابة أكثر من عصفورين بحجر واحد.
يدرك الجميع أنّ إطلاق هذا الكمّ من الصواريخ من جنوب لبنان لا يمكن أن يحدُث من دون علْم حزب الله، أو حتى من دون موافقته، ولكنّ الحزب بات يردّد دائماً أنّه ليس معنيّاً بحماية حدود إسرائيل وأمنها، وبالتالي، كانت هذه الصواريخ التي انطلقت من جنوب لبنان بعد ظهر أول من أمس الخميس (6 إبريل/ نيسان الجاري)، بغض نظر من حزب الله، بل بموافقته، وحملت رسائل أراد مطلقوها أن تصل إلى الطرف الآخر، بل إلى الأطراف الأخرى، فإطلاق هذه الصواريخ جاء أولاً بعد ليلة دامية في المسجد الأقصى، استخدمت فيها قوات الاحتلال الإسرائيلي العنف المفرط ضد المصلّين المعتكفين داخل المسجد وفي أرجائه، وقد ترك هذا العنف والعدوان استياءً عارماً على المستويات المحلية والعربية وحتى الدولية. وبالتالي، جاء إطلاق الصواريخ، في جزء منه، ردّاً على هذا العدوان على المسجد الأقصى والمصلّين فيه، ليرسم خطاً أحمر أمام تكرار مثل هذه الاعتداءات. كما أن الأيام القليلة التي سبقت إطلاق الصواريخ شهدت تكثيف الطيران الحربي الإسرائيلي غاراته على مواقع لإيران وحلفائها في سورية، وقد سقط خلال بعض هذه الغارات ضباط في الحرس الثوري الإيراني، أعلنت عنهم قيادته وتوعّدت بالردّ على هذه الغارات، وقد وجدت قيادة الحرس الظرف ملائما للردّ بالطريقة التي حصلت بحيث يبقى الفاعل مجهولاً معلوماً، وتبقى الصواريخ رسالة واضحة في توقيتها وفي الأهداف التي طالتها، وتشكّل ردّاً على الغارات الإسرائيلية على سورية.
قدّر مطلقو الصواريخ من لبنان على مواقع إسرائيلية في شمال فلسطين أنّ الأميركي لن يعطي الضوء الأخضر للإسرائيلي لأيّ توسيع للمواجهة
وتتصل الرسالة الثالثة التي حملتها الصواريخ بالداخل اللبناني، وتحديداً بما يسمّيه حزب الله الحصار المفروض على لبنان ويخلّف أزمة اقتصادية خانقة، وقد هدّد، في وقت سابق من هذا العام، أمين عام الحزب، حسن نصرالله، بتعميم الفوضى في المنطقة فيما لو تمّ اللجوء إلى نشر الفوضى في لبنان. ويدرك الجميع أنّ استمرار الحصار وتفاقم الأزمة الاقتصادية وانسداد أفق الحلول السياسية قد يُدخل لبنان في فوضى عارمة. وعليه، حمل السماح أو غض النظر عن إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان، في أحد معانيه، رسالة باتجاه من يعنيهم الأمر على المسرح الدولي بأنّ الفوضى قد تعمّ وتنتقل إلى الطرف الآخر من الحدود، فضلاً عن رسالةٍ أخرى تحمل في ثناياها القول إنّ الصواريخ الفلسطينية هي البديل عن سلاح حزب الله فيما لو استمرّ الضغط باتجاه نزع سلاحه.
ومن المفيد الإشارة أيضاً إلى أنّ إطلاق هذه الصواريخ بهذه الكثافة جاء في لحظة خلاف أميركي إسرائيلي، بين رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، وقد قدّر مطلقو الصواريخ أنّ الأميركي لن يعطي الضوء الأخضر للإسرائيلي لأيّ توسيع للمواجهة.
حملت الصواريخ التي انطلقت من جنوب لبنان كلّ هذه الرسائل، وحاولت أن تفرض معادلة جديدة لقواعد الاشتباك، ولكنّ الأهمّ فيها أنّ الحديث عن وحدة الساحات فيما يُعرف بمحور المقاومة أعطى إشارة على جدّيّته في خوض معركة واحدة فيما لو استدعى الأمر ذلك.