15 نوفمبر 2024
عن "لطفي" الجزائري
اختير الفيلم الجزائري (لطفي)، لمخرجه أحمد راشدي، وإنتاج وزارة المجاهدين، ليكون عرض الافتتاح لمهرجان وهران الدولي للفيلم العربي، أخيراً، غير أننا شاهدناه في اليوم الثالث. وبعد اكتمال مشاهدتنا له (170 دقيقة)، سمعنا زغاريد في قاعة السينما، أطلقتها جزائرياتٌ من حضور العرض، وهو الأول للفيلم. كانت تعبيراً عن الشحنة العاطفية العالية في الفيلم، لا سيما في مشهده الأخير الذي يصور البطل الرئيسي فيه، العقيد لطفي، عند استشهاده في معركةٍ مع قوةٍ من جيش الاحتلال الفرنسي بين رمال صحراء الجنوب الجزائري. كان ذلك في عام 1960، في أثناء ثورة وحرب التحرير الجزائرية التي كان من قياداتها الميدانية والسياسية، بودغان بن علي، الذي عرف باسم العقيد لطفي، وقتل في تلك المواجهة الأخيرة عن 26 عاماً فقط، وكان قد التحق بالثورة إبّان كان تلميذاً في مدرسة ثانوية في تلمسان.
كأن السينما الجزائرية في راهنها، وبعد نحو ستين عاماً على انطلاقتها، ومع تخمة الأفلام المنجزة فيها عن الثورة وحرب الاستقلال، ما تزال منشدّة إلى هذه الموضوعة، وإلى البطولي فيها، والملحمي والفرداني في غضونها. وربما كان مخرج (لطفي)، أحمد راشدي، الأكثر انشغالاً بها، والأكثر احتفائية بالثورة الجزائرية، منذ (مسيرة شعب، 1963)، مروراً بـ (الأفيون والعصا، 1969) المقتبس من روايةٍ لمولود معمري، والذي يحسب من أهم أفلام السينما الجزائرية عن حرب التحرير. وها هو راشدي بعد إنجازه فيلمه عن المقاتل الذي قضى في 1956، ويسميه الجزائريون أسد الأوراس، مصطفى بن بولعيد، في عام 2009، ينجز جديده عن مقاتل آخر في حرب الاستقلال، هو العقيد لطفي الذي تحمل سيرته جرعة ثقيلةً من الجاذبية، بالنظر إلى صغر سنه، وقياديّته، وكذا واقعة استشهاده المثيرة، وبالنظر أيضاً إلى قناعته بالمرأة الجزائرية، على ما حرص الفيلم على تظهيره.
كأن السينما الجزائرية في راهنها، وبعد نحو ستين عاماً على انطلاقتها، ومع تخمة الأفلام المنجزة فيها عن الثورة وحرب الاستقلال، ما تزال منشدّة إلى هذه الموضوعة، وإلى البطولي فيها، والملحمي والفرداني في غضونها. وربما كان مخرج (لطفي)، أحمد راشدي، الأكثر انشغالاً بها، والأكثر احتفائية بالثورة الجزائرية، منذ (مسيرة شعب، 1963)، مروراً بـ (الأفيون والعصا، 1969) المقتبس من روايةٍ لمولود معمري، والذي يحسب من أهم أفلام السينما الجزائرية عن حرب التحرير. وها هو راشدي بعد إنجازه فيلمه عن المقاتل الذي قضى في 1956، ويسميه الجزائريون أسد الأوراس، مصطفى بن بولعيد، في عام 2009، ينجز جديده عن مقاتل آخر في حرب الاستقلال، هو العقيد لطفي الذي تحمل سيرته جرعة ثقيلةً من الجاذبية، بالنظر إلى صغر سنه، وقياديّته، وكذا واقعة استشهاده المثيرة، وبالنظر أيضاً إلى قناعته بالمرأة الجزائرية، على ما حرص الفيلم على تظهيره.
لأهل الاختصاص في السينما الجزائرية التي عُرفت، يوماً، بأنها من أميز سينمات الالتزام في العالم الثالث، أن يجدوا لشريط راشدي الجديد موقعه، على صعيد الوفاء للواقعة التاريخية، بين الأفلام الجزائرية العديدة التي اختصت بحماية ذاكرة الثورة وصنّاعها ومقاتليها. ولعله من المهم أن يُسجل، هنا، أن (لطفي) فيما نجح كثيراً في هذا الأمر، فإنه عانى من ارتباك غير هيّن في بناء السيناريو، واحتاج إلى التخفف من التطويل فيه، وإلى شيء من الإيحاء الفني في التعبير عن عوالم الشخصيات فيه. ولعله احتاج، أيضاً، إلى تصوير جوانب أخرى في شخصية البطل المركزي، تتعلق بدواخله، وصلته بذاته، وقلقه، وأيضاً مغالبته جروحاً أصيب بها في غير مواجهة مع العدو.
وعلى ما يمكن تعداده من مآخذ على الفيلم، خصوصا فيما يتعلق بمسار حكايته، وعدم انتباهه إلى تفاصيل ومواضع ثانوية، إلا أن مشاهده يظل مأخوذاً بالفنية العالية في تصوير مشاهد الطبيعة والجبال والصحارى والوديان والسهول، بنقاءٍ عال، وبحرفيّة في حيوية الحركة، أظهر فيها أحمد راشدي وفريق التصوير إتقانا مميزاً، ولا سيما في تتالي مشاهد المعارك والمواجهات المسلحة، باستخدام الطيران والآليات والدبابات وأسلحة الخمسينيات. ولا مجازفة، هنا، في القول إن المشاهد الكثيرة من هذا كله في الفيلم (كان التقليل منها ممكناً) تذكّرك بأفلام أميركية مميزة عن الحرب العالمية الثانية وحرب فيتنام، وبفيلم مصطفى العقاد (عمر المختار) أيضاً.
وجاء أداء الممثل الجزائري، يوسف سحايري، دور الشاب بودغان بن علي ثم إبراهيم ثم العقيد لطفي (وهي أطوار ثلاثة للشخصية)، موفقاً ولافتاً، في مطارح غير قليلة في هذا الشريط الذي جعلنا، نحن مشاهديه المشرقيين في تظاهرة وهران السينمائية، نشعر بشيء من الحرج، من قلة معرفتنا بتلك المحطة المثيرة في ثورة الجزائر. ولهذا الأمر، وكذا للحرفية الظاهرة في حيوية مشاهد حركية عديدة في جديد أحمد راشدي، يحسن تثمين هذا المنجز الطيب في راهن السينما الجزائرية.