عن مهمّة الوفد الإسرائيلي في واشنطن
يبدي رئيس الحكومة الإسرائيلية، نتنياهو، تصلّباً يصل إلى درجة تحدّي الولايات المتحدة بشأن الهجوم على رفح، والذي يستند إلى تأييد قطاع واسع من الجمهور الإسرائيلي بقيادة الحكومة المتطرّفة التي انتخبها الجمهور ذاته. وفي موضوع استمرار الحرب على غزّة، يبدو أن إسرائيل تعتمد على "وحدة وطنية" قوية، فالجميع يعتقد أن متابعة الهجوم على غزّة وصولاً إلى رفح ستؤدّي إلى تأمينٍ كامل للاحتلال في الجنوب، وبعد الهجوم الموعود، سيكون لإسرائيل اليد الطولى في القطاع، إذ يجاهر نتنياهو برفض منح أي فرصةٍ للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وأي دور لها في إدارة غزّة، وذلك كله مستندٌ إلى افتراض أن الهجوم سيعقبه مناخٌ صافٍ ومناسبٌ لتتابع إسرائيل حياتها الهادئة من دون قلق تسبّبه حركة حماس. ويقود هذا الحلم عناد نتنياهو إلى درجة تعطيله رحلة وفد إسرائيلي إلى واشنطن للتدارسِ بشأن الهجوم على رفح، ردّاً على امتناع الولايات المتحدة عن التصويت على قرار ينصّ على وقف لإطلاق النار في رمضان (فقط!)، وإطلاق سراح الرهائن، وتسهيل دخول المساعدات، وهو قرار في جوهره يعطي نتنياهو بعض الوقت بقية رمضان لتجهيز نفسه لهجوم قوي يمنح الجنود الإسرائيليين المتعطّشين للقتل ما يريدونه. يراجع نتنياهو نفسه ويوافق على سفر الوفد، مدركاً أن الهجوم على رفح لن ينجح من دون مساندة أميركية، وكل ما يطلبه بايدن التخطيط للهجوم بعناية أكبر.
تُمسِك إسرائيل بالأرض في معظم مناطق القطاع، وتحاصره من الشمال والشرق، وتسيطر على طريق صلاح الدين الذي يقطع غزّة رأسياً، وعلى مداخل رفح، وتتحكّم حتى في عدد أرغفة الخبز التي تدخل غزّة، وتمارس حصاراً صارماً على مراكز الاستشفاء، بمعنى أن كل جريح هو في حكم الميت مؤقتاً. ويقول نتنياهو إن إسرائيل قتلت الرجليْن رقمي خمسة وثلاثة في "حماس"، ويأمل الوصول إلى رقمي اثنين وواحد. وليكون نصرُه مؤزّراً يجب أن تسير دباباته في شوارع رفح الرئيسية، وهو مستعدُّ من الناحية العسكرية لبدء هذا الهجوم الذي كان قد حدّد موعده في العاشر من مارس/ آذار، لكن الخلافات الإسرائيلية الأميركية، وشهر رمضان، أجّلت الهجوم حتى إشعار آخر، ويبدو أن الوفد الذي وافق نتنياهو على إرساله إلى واشنطن سيضع لمساته الأخيرة لإخراج مناسب لاجتياح تعوّل عليه إسرائيل بوصفه معركة أخيرة، وسيكون وزير الأمن يوآف غالانت عرّاب الوفد الذي سيقود التفاوض.
تحاول إسرائيل الاستفادة من الوقت الناتج عن خلافها مع الولايات المتحدة، وتستغله لحشد إمكانات كافية لضمان تحقيق أهدافها، ومنح مجموعاتها العسكرية التي قاتلت في غزّة فرصة للراحة، ولإعادة تذخير نفسها عسكرياً ونفسياً، ولعودة بعض الفرق العسكرية غير الأساسية إلى سوق العمل الإسرائيلية التي بدأت المعاناة فعلاً. تشكّل معركة رفح فرصةً لن تفوّتها إسرائيل، وإن قدّمت بعض التنازلات للولايات المتحدة، فأرسلت شخصاً محبباً لدى الإدارة الأميركية لديه خبرة عسكرية في معارك غزّة، قاد عملية الرصاص المصبوب عام 2008، وعمليات التوغل في عامي 2009 و2010، وهو من أشد المتحمّسين للحرب على القطاع، ويسعى إلى النجاح في تسويق إسرائيل إن أقنع الأميركيين في إجابته عن سؤاليْن. الأول، عن المساعدات، والثاني عن وضع غزّة بعد "النصر". لا تنقص غالانت براغماتية يحتاجها في مفاوضاتٍ من هذا النوع، والإجابة البراغماتية هي ما تبحث عنه الولايات المتحدة، وبعد أن يعود غالانت، سيكون الناس في الأقطار العربية يتحضّرون لمراقبة هلال العيد، وبعدها قد يكون شارعا عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، الرئيسان في رفح، قد مُلئا بالمدرّعات الإسرائيلية.