عن مُؤتمَر الشتات الصومالي في الدوحة
احتضنت الدوحة ثلاثة أيّام مُؤتمَر الشتات الصومالي، وجمعت الفعالية، التي تُعقد للمرّة الأولى في دولة خليجية، نحو 300 مشارك من المغتربين، بحثاً عن آفاق جديدة لتعزيز دورهم في الحياة السياسية والاقتصادية في بلدهم، والمساهمة في رسم معالم مُستقبل الجمهورية الصومالية الثالثة، التي تتعافى من آثار الاضطرابات السياسية وعدم الاستقرار عقوداً، بيد أنّ تمكين المُغترِبين في المكوّن الداخلي دونه تحدّيات جمّة، ليس أقلّها غياب تنسيق الجهود بين أبناء المهجر والحكومة الفيدرالية، إلى جانب عدم توفّر أجندة حكومية لاستقبال المُغترِبين والاستفادة من خبراتهم، وتسخير قدراتهم في تطوير القطاعات الحيوية، وتشجيع حركة الاستثمارات التي يُحرّكونها، وهو ما يمكن أن يعطي للشريحة الداخلية، تحديداً الشباب، أملاً كبيراً في الحصول على فرص عمل من استثمارات المُغترِبين في كلّ فعالية يجتمعون فيها في الداخل والخارج.
لعب المُهجّرون دوراً كبيراً في تنشيط عجلة الاقتصاد الصومالي، باعتبارهم عصب الاقتصاد الحيوي بميزانية تقدّر سنوياً بمليارَي دولار يرسلها أبناء المهجر إلى ذويهم في الداخل، كما أنّ عودة كثيرين منهم وفّرت فرصَ عملٍ لشبابٍ عديدين باستثماراتهم في العاصمة مقديشو، حيث أقاموا عشرات من المقاهي والمطاعم والفنادق، كما برزت وجوه كثيرة في الحكومات الصومالية المُتعاقِبة من وزراء ومدراء المؤسّسات الحكومية.
بعد مداولات ثريّة بين المشاركين في المُؤتمَر، الذي عُنوِن "تسخير قدرات المغتربين في ازدهار ونهضة الصومال"، خلص إلى ضرورة استخدام المعرفة الحديثة والتكنولوجيا لتعزيز قدرات الشباب الصومالي في المهجر، إلى جانب أهمية الابتكار الثقافي والتجاري من المُغترِبين للمساهمة في نهضة بلادهم، بالإضافة إلى تعزيز العلاقات بين مقديشو والدوحة. عودة المُغترِبين الصوماليين ربّما تساعد اقتصاد البلاد، إذا وُجدت الأرضية مهيأة، وأتيحت لهم الفرص والإمكانات والخطط من قطاعات الحكومة لاستيعاب قدراتهم واستثماراتهم، برغم التحدّيات الأمنية، نتيجة القلق الأمني الذي تمثّله حركة الشباب الإسلامي، التي تحاول كسر هدوء العاصمة، التي استفاقت قبل أسابيع على تفجير انتحاري هزّ مطعماً شعبياً، وهو التفجير الثاني في سبعة أشهر، على عكس ما كانت تشهده مقديشو من تفجيرات دموية متتالية شهرياً، ما يوحي أنّ أمن العاصمة يتحسّن تدريجياً نتيجة الجهود الحكومية.
لعب المُهجّرون دوراً كبيراً في تنشيط الاقتصاد الصومالي، بميزانية تقدّر سنوياً بمليارَي دولار يرسلها أبناء المهجر إلى ذويهم في الداخل
ولادة تجمّعات صومالية في المهجر لها القدرة على التأثير في مجريات سياسات بلادهم الداخلية، ودعم اقتصاد البلاد من خلال استثمارات ضخمة، سيّما المصانع الصغيرة والعقارات، مثلما يفعلون في دول الجوار، سيّما في كينيا وفي إثيوبيا، مهمّة كبيرة يتوق إليها المجتمع المحلّي، لكنّ الشتات الصومالي تأثّر، على ما يبدو، بما يجري في الداخل، طالما أنّ للسياسات الداخلية انعكاساً مباشراً في الخارج، فالمُغترِبون أيضاً يعانون من تفكّك داخلي بسبب غياب قوّة تنظيمية موحّدة، ومظلّة جامعة لهم، تستكشف قدراتهم وتنمّي استثماراتهم في الداخل، نتيجة الوتر القبلي والمناطقية الموجودين أكثر في المهجر، حيث الانتماء إلى القبيلة والتفاخر بها يعمي بصائر كثيرين، ويُفشِل خططهم واستثماراتهم.
التحدّي الأمني في الصومال عامل ضغط لاتجاهات المُغترِبين نحو دول الجوار والاستثمار فيها، وليس وحدهم فقط، بل كثير من تجّار في الداخل يُفكّرون في الانتقال إلى الخارج (تركيا ومصر ودول الجوار)، نتيجة الأزمات الأمنية الطويلة في بلادهم، ما يُذهِب رؤوس الأموال إلى الخارج، ويُفقِد القدرة الشرائية لدى الطبقات الفقيرة العاملة، التي تكافح لتأمين مصدر رزقها، فكيف يمكن إقناع المُغترِبين بالعودة وبالاستثمار في بلادهم طالما لم تتغيّر الظروف التي أجبرتهم على الهجرة، وكيف يمكن أن تُحقّق استثماراتهم نموّاً في ظلّ عدم توفّر فرص متكافئة واعدة لها، ما يدفعهم إلى إغلاق محالّهم التجارية في غضون أعوام قليلة، بسبب غلاء المعيشة، خاصّة الإيجارات، نتيجة غياب رقابة حكومية على أسعار السلع وإيجار العقارات وأسعار الشقق السكنية، وعدم توفّر عملة محلّية بدل النقد الأميركي، وهي عقبات جمّة تحدّ من الاستثمار الأجنبي قبل المُغْتَرَب الصومالي.
تشجيع المُغترِبين على العودة، بعد عقود طويلة، قضيّة محورية في الحفاظ على النشء الصومالي الذين ولدوا في الشتات، وليس من المنطق ربط عودتهم برؤية برغماتية اقتصادية بحتة، فأزمة الهُويّة مُعضلة تضرب الجذور والهُويّة لدى كثيرين من أبناء المهجر، ما قد يدفع الأسر الصومالية في دول الاتحاد الأوروبي إلى العودة إلى مقديشو، والنزول في الأحياء السكنية الراقية لتعليمهم وتثقيفهم، حتّى لا يذهب بهم الشتات بعيداً عن تراثهم ودينهم وهُويّتهم.
أخيراً، يحتاج المُغترِبون من أجل العودة إلى بلادهم تحقيقَ جملة من الشروط، في مُقدّمتها تعزيز الأمن الداخلي، خاصّة في مقديشو، وتهيئة الأجواء لهم، وتشكيل لجان خاصّة لاستيعابهم ودمجهم في المجتمع المحلّي، إلى جانب منحهم إعفاءات ضريبية لاستثماراتهم والحدّ من الغلاء المعيشي ومكافحة الفساد، كما أنّ على المُغترِبين المساهمة في وحدة بلادهم وتجاوز مطبّات القبلية والمناطقية اللتين فرضتهما الأعراف العشائرية التقليدية، والتحوّلات السياسية التي أفرزت أنظمة لا تساهم في وحدة البلاد واستقلالها، بقدر ما هي أدوات لتفكيك جغرافيا الصومال وتعميق الخلافات الداخلية.